أنت هنا

قراءة كتاب هواجس أسير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
هواجس أسير

هواجس أسير

كتاب "هواجس أسير" للكاتب الأسير كفاح طافش، يعد نموذجا فريدًا وجديدًا لأدب السجون، حيث أنه استطاع تحطيم كل المحرمات "والتابوهات" التي يخطر الحديث عنها في أدب الحركة الأسيرة الفلسطينية، ولذلك فهو إصدار يستحق القراءة والتحليل , 

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 1
هاجس الهواجس
 
 
 
في غمرة من الحيرة والتأمل يكمن ما لم تقدر أن تحدد شكله، عنوانه، أسلوبه. إرادة حقيقية تجرّك باتجاه معلوم مأمول لا غير، وأنت تسير تخط هنا كلمة وهناك أمنية، تسيجك الظروف وكل المكان سيكون حاضرا حتما، كشجرة عمياء تثمر دون إرادة منها، فتصبح هدف الشهوة والرغبة، أما خياراتك طريق السير للهروب مما أنت فيه، فكل الأسوار وكل الجدران، والقضبان من حولك لن تزيد من عزلة واقعك وانحناء الوقت لديك نحو ما لم تكن تتوقعه.
 
هكذا كنت دائما أرتب نفسي في حضور طقس فريد من كل شيء؛ فكل شيء يجمعه في حدود اللاشيء هنا، تتعود الرتابة التي تذبح عواطفك باتجاهات متناقضة، الصدق كذب، الحب كره، الصداقة عداوة، التافه قيم وأنت... أنت من دون عمر سكبته في ثنايا الاسمنت هنا، عزاؤك الوحيد عهد الوطن المؤجل برسم الشهداء على شمس غد قادم، أدور حول ما أريد هنا على هذه الصفحات، أستخرج سؤالا لا تستطيع تقديم الإجابات عنه دون عرض كل ما تخاف منه وتعتقده.
 
السجن هو سؤالي المحير على البيضات المتناثرة بين الأزرق الممتد، بحيرة ودهاء، السجن مكان سكني الحالي الذي قررت جاهدًا وبعد مخاض عسير أن أعيد ترتيبه في داخلي لكي استطيع أن أساوم عليه من يريد أن يساوم! فالأساطير وحدها هي ما سمعته عن السجن وما فيه قبل الولوج إلى عالم الاسمنت هذا، في كل يوم يمضي هنا تتكسر قيم لتحل مكانها أخرى، أحاول أن ألجم هذه التغيير باتجاه واحد، لكن المكان هذا له منطقته وإسقاطاته، جموحه هيجان يذوب ما لم تكن تستطيع أن تصهره خارجًا، ويبني أمامك ذوات وحيوات عدة إما نزقًا أو ترفًا، لا تقدر أن تصنع من أيامك غير مفكرة تعدد مدى التغيرات التي تعلق بك، وبعد فترة من الزمن تحصيها وإذ أنت غيرك، فتكون أنت غيرك الفارغ توًا من ذاتك.
 
فراغك هنا قاتل برسم وجودك، لا أظن أن من قرر وضعك في السجن كان عبثيًا كساعاتك العبثية هنا، أهدافه لا أستطيع أن أقدرها أو أحددها، لو كنت خبيرًا نفسيًا أو باحثًا اجتماعيًا لاستطعت أن أحدد أي تفصيل أراده، لكنني مقتنع أن السبب في عقلية هذا الشرطي... السجان... القاضي... الاحتلال، راسخة برسوخ قناعاتي بالحرية دائمًا وأبدًا، لكن متى؟ أنا سيكون موعدي مع هذه الأماكن، ثماني سنوات لا غير. آخرون اختاروا العيش برهن الحلم السائر بين براثن الأيام لتغدو الأيام حاجز الأمل والإحباط معًا، وهي ذاتها وعد الغد القادم الذي يحمل الفرح حتمًا كذلك، هي- آه- من هي، تفتك بك، تخلع منك سكونك....ألفتك وكذلك شكلك، تمر يوميًاعلى المرآة لكن من دون التعرف إلى مدى تأثيرها فيك، ما بين ذاكرة وأخرى يمكن أن تلتقط صورة لك أمامها، لا داعي للشرح، أنت غيرك وغيرك آخر... إلى أن تعرف أن هناك أناسًا ما زالوا يقبعون هنا وتجاوزوا عامهم الرابع والثلاثين دون معرفة يوم الإفراج.

الصفحات