أنت هنا

قراءة كتاب هواجس أسير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
هواجس أسير

هواجس أسير

كتاب "هواجس أسير" للكاتب الأسير كفاح طافش، يعد نموذجا فريدًا وجديدًا لأدب السجون، حيث أنه استطاع تحطيم كل المحرمات "والتابوهات" التي يخطر الحديث عنها في أدب الحركة الأسيرة الفلسطينية، ولذلك فهو إصدار يستحق القراءة والتحليل , 

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 2
من بين الألم هنا وجوه الواقع المؤلم، أفضل أن أقتات وجباتي منه بانتظام ورتابة لأحاول ترتيب هذه السطور، فكرت كثيرًا وكثيرًا: كيف يمكن أن أقدم هذه الواقع لإنسان لم يعشه؟ كيف أستطيع أن أتجاوز أسطرة الحياة هنا؟ كيف سيقتنع الناس هناك أن السجن ليس مكانًا مقدسًا والناس هنا ليسوا أنبياء؟ كيف أستطيع منع وقوع الصدمة التي هزت كياني حين دخلت السجن لغيري؟ وكيف أحمل هذا الواقع هناك دون تهويل وأرقام صماء؟ كيف ألتقط الصور كما هي هنا لتكون ألبومًا هناك وكيف... وكيف.؟
 
أسئلة كثيرة اجتاحتني، ومع كتابة هذه الكلمات هنا قررت أن أقفز من مدرجات المشاهدين لخشبة المسرح، لأعيد رسم حكايتي هنا لتكون منبرًا لهذا الواقع دون ابتذال؛ فالسجن حكاية شعبية سمعتها مرارًا وتكرارًا على شفاه نساء الوطن، كتبتها جداتنا على أبواب بيوتهن حيث قررن الخروج عام 1948، فالتقطها هذا العدو عنوة  من على جدران منازلنا، ليعيد فك طلاسم الحكاية، وبسادية أكثر ليعيد نبش ما لم ينبش، وليفرك على ذاك الفانوس ليوقظ هذا العملاق الذي ما زال جاثمًا على حياتنا بأبوابه وزنازينه وسجانيه وجنازيره وقيوده.
 
أخاف أنا من كل شيء حتى من الصمت والسكون، خوفي هذا هاجسي الأزلي هنا، كيف سأعود هناك؟ كيف سأخرج من هنا دون بثور؟ هل سأتجاوز وحدتي؟ هل هناك من حبّ آخر لأضيعه أو يضيعني؟ كيف أستطيع العودة لجامعتي؟ إلى تلك الأنثى التي أفتقدها في عالم الذكور هنا فأصبحت عاهتي المستديمة؟... وهل.... آلاف الهلوسات هذه تهجس بي يوميًا. تسيطر على عقلي وتفكيري، مع أنني حافظت على نصيحة أحد الرفاق قالها لي منذ دخولي السجن، وهي –بالمناسبة- للشاعر ناظم حكمت : "عش في السجن ولا تدع السجن يعيش فيك، اسكن السجن ولا تدع السجن يسكن فيك".
 
هذا كان شعاري الدائم، لكنني سئمت من التصنع والرياء؛ فقد عاش السجن بي، ها هو اليوم يتفجر على شكل هواجس ألملمها لكم –هنا- على هذه الأوراق علّني أشفى منها؛ لقد قرأت في إحدى الروايات "أننا نكتب الحدث لكي ننساه ونحذفه من ذاكرتنا"، وهي محاولة لإخراج السجن من داخلي إذًا... ألقيه بعيدًا بعد أن أضاع الكثير من البراءة والعفة لديّ، أدّعي في كل شيء حتى أصبحت أرى شخصًا آخر في المرآة كل يوم، أخرج إذًا أيها اللعين، فسأصاب بك مرة أخرى لكن لا بدّ من العلاج لإعادة المتعة الأولى، فهم يقولون: "المتعة الأولى كنز الذاكرة الأزلي". إن المتعة الأولى في كل شيء أول مرة، لذلك ستبقى أزليًا في كل شيء حتى في طريقة دخولي الحمام!!
 
كما أن هذا السياق قد يخدع منطقي، سأبقى حافظًا لكل ما شاهدته وعايشته،؛ لأن مجتمع الحديد والاسمنت لا يقدر على استخراج غير الوحش والتوجس،؛ ففي كل مرة تقرر فيها أن تنتفض على نفسك تعود بخيبة أخرى دون طائل المحاولة،. هذا ما لم يوافقني عليه كثيرون من رفاق المعاناة هنا،؛ لأن غالبيتهم يتقن الادعاء والكذب، وهو مُصرّ على أن يكون السجن صفحة مشرفة من صفحات نضال شعبنا –لا ضير- لكن الحقيقة هي الهدي الأكيد التي تؤسس إلى إعادة ترتيب ذواتنا أولاً، ومن ثم احتمالات وجودنا الجماعي، لذلك لا بد أن يكون السجن برأي الأغلبية موقف المنطق المبتور "مكان الرجال"، كما سمعت الكثير الكثير يقول "السجن للرجال". من قال هذا؟ آه! أريد أن أتعرف إليه بكل كذبه وادعائه لأقف أمامه بعاهاتي وأواجهه بالحقيقة: أنا هنا وأنا أشك برجولتي!!

الصفحات