كتاب" قراءات أدبية" للدكتور علي حسن خواجة، يجمع بين دفتيه بعضًا من دراساتٍ أدبية مُحكّمة فلسطينية وعربيًة. وقد أُنجزت بين 2009-2012، وقد عالج جلّها قضايا علم النص وتحليل الخطاب. بلغ عدد الدراسات المختارة تسعًا.
أنت هنا
قراءة كتاب قراءات أدبية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

قراءات أدبية
الصفحة رقم: 10
القيامة الأولى تصدرت العنوان الذي يدل على المنفى، وما يمثله من غربة وتشتت واضطراب، إذا ما قورنت بمصطلح القيامة الديني، لتجعل المقصد منها ملازما الرواية بكل جزئياتها وعمومياتها. والقيامة الثانية المتمثلة في الشخصيات، وخاصة شخصية المهاجر المغترب الذي وجد نفسه وحيدا يعيش اضطرابًا وقلقًا نفسيين على مستوى الذات، وعلى مستوى الحدث: " أنا هنا أمارس خداعًا مزدوجًا وقذرًا... وأوهم نفسي أنني أمارس كل اللذائذ بشكل طبيعي، كأنها فطرتي التي فطرت عليها" (21) القيامة على مستوى الشخصيات تنسجم مع المعنى الديني المتعلق بالاضطراب. ويبدو هذا جليا في شخصية الصديق المقيم الذي يظهر في حالة من التكسر النفسي ما يكفي لتغريبه عن ذاته وعن حاضره، ولعله يبوح باضطرابه وتيهه فيقول: "... وجدت أنني أمارس دورًا مزدوجا في تعميق حالة التراجع والفساد؛ لأننا نقوم بدور شهود الزور... " (22). . وقد عاش اغترابا من نوع آخر تمثل بانسلاخه عن محيطه، ومراقبته الأحداث دون محاولة الإصلاح، مكتفيا بالنقد، ومحتفظا به لذاته، وتذكُّر مرحلة ما قبل أوسلو.
أما القيامة الأخيرة، فكانت رمزا للرحيل الأبدي المتمثل في لاوعي الكاتب في التعبير عن حالته النفسية خصيصى بعد استشهاد صديقه، وخراب البلاد؛ فكانت نوعا من الصدمة التي عكست أثرا في نفسية الشخصية والقارئ. القادم من القيامة تعادل القادم من المنفى، وتعادل –أيضا- القادم من القيامة إلى قيامة، بدلالة أن القادم من اغتراب وجد نفسه في اغتراب آخر، يظهر الواقع أكثر تعبيرا، ويعود ذلك إلى أن الكاتب رحل إلى أعماق الذات بمكنوناتها الفردية، وارتباطاتها الجماعية؛ ليعبر عن مأساة الفلسطيني في ظروف جديدة، ويلجأ أثناء ذلك إلى الرمز.
شكل اتفاق أوسلو انقلابا على مستوى الحياة المعيشة؛ حيث بان الفساد، واختفت القيمة، ومات الضمير، وغاب الوطن عن الأروقة السياسية، كأن قيامة قامت أحدثت بعثا وتجديدا في الأفكار، والمعتقدات القديمة التي سادت فترة ما قبل أوسلو.
يؤوِّل الكاتب الواقع الفلسطيني بأبعاده الآنية والآتية على نحو يريدها عمقاً وإنارة؛ حينما يوجه أنظاره نحو الواقع الديني المنصهر في تاريخه، ويستدعى شخصياته، لا يقف عند تلك الرموز وقوفا سطحيا، بل يستوفي أبرز ملامحها، وأشد تفاصيل حياتها ثراء.