كتاب "أيقظ قوة عقلك الخارقة" للكاتب د.
أنت هنا
قراءة كتاب أيقظ قوة عقلك الخارقة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
العقل والدماغ
من الغرائب التي عرضها البرنامج التلفزيوني «أمور لا تصدق»، أربعة أشخاص، أثبتت الفحوص الطبية المكثفة أنهم يعيشون بجزء يسير جداً من أدمغتهم، حيث أصاب الشلل أو التلف سائر مناطق الدماغ فكفها تماماً عن العمل، وهم رغم ذلك يحيون حياة عادية، ويقومون بأعمالهم على خير وجه... بل إن منهم من يتميز بذكاء كبير، وعبقرية مذهلة!
ووقف العلماء أمام هذه الظاهرة حائرين، يطلبون إعادة النظر في ما بين أيديهم من نظريات حول عمل الدماغ بأقسامه المختلفة، ويقولون: كيف تستمر وظائف الدماغ من سمع وبصر وحس وإدراك، وقد تعطلت الأجزاء المكلفة بها في الدماغ واعتراها الشلل والجمود؟!
وفي جامعة هارفارد واجه العلماء مؤخراً ظاهرة مماثلة لم يستطيعوا لها تفسيراً... عندما قام رجل ممن يمارسون تمرينات التأمل العميق برفع درجة حرارة جسمه!... وأخضعوه لفحص دقيق، فوجدوا أن أوعيته الدموية قد تمددت فعلاً.. كيف حدث ذلك؟ وأعادوا التجربة مرات عديدة حتى خرجوا بالنتيجة الآتية، التي أعلنوها فيما ينشرون من بحوث: «إن حالة معينة من التركيز والاستغراق يمكن أن تؤدي إلى تغير مفاجئ في وظائف أعضاء الجسم!».
العقل الإنساني ميز الإنسان بالفكر. يقول الفيلسوف الكندي: «إن العقل جوهر بسيط مدرك للأشياء بحقائقها»، ويقول ابن سينا: إن العقل ليس مركباً من قوة قابلة للفساد بل مجرد عن المادة في ذاته مقارن لها في فعله، ويقول الفارابي: إن القوة العاقلة جوهر مقارن للمادة ليبقى بعد موت البدن وهو الإنسان على حقيقته. وفي الحديث القدسي الشريف: «ما وسعتني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن».
إن النشاطات الفسيولوجية الرئيسة التي تميز الإنسان عن الوحوش والبهائم، هي تلك المتعلقة بالدماغ والجهاز العصبي.
والدماغ آلة العقل الخاصة، فالدماغ هو الوعاء الذي تؤلف تغيراته الجزيئية، ونشاطاته البيولوجية، أساساً لمختلف أوجه الوعي الذاتي.
والدماغ - أو على الأصح - الجهاز المخي الشوكي Cerebro-Spinal System هو العضو المركزي للإدراك. والدماغ بالاشتراك والتعاون مع الجهاز العصبي ككل، هو المسؤول بصورة رئيسة عن انتقال الدوافع والنبضات، والتعابير، والتأثيرات، لكل من الوعي الذاتي والوعي الغير الذاتي، فيكون بذلك أساساً لجميع النشاطات الذهنية والفكرية. بالإضافة إلى ذلك، فإن جميع نشاطات الكائن الحي، تعود إلى وجود الطاقة الحيوية، وإن العمليات الفكرية تعتمد على قوة الوعي.
وبذلك تكون العلاقة بين الوعي والخبرة على النحو الآتي:
تحتك الحواس الخارجية عبر أعضائها البدنية الخاصة كالعين، والأذن، والأنف، والجلد... إلخ، بالمواد التي تشتمل على نوع من المعرفة، فتنتقل التركيبات الشعورية، التي قد تم تسجيلها بوساطة الدوافع - المنبهات - العصبية إلى الدماغ، بمساعدة الحواس الخارجية الخمس.
في بادئ الأمر، أي في اللحظة الأولى، ثمة وعي متوسط Intermediate Consciosness، حيث لا يمكن ملاحظة تفصيلات الشيء أو دقائقه، وهذا ما يعرف بالإدراك الحسي المتوسط Intermediate Perception وفي اللحظة الثانية، يصبح في ميسور الدماغ أن يدرك الشيء بشكله المحدود المعلوم، بفضل وظيفة الدماغ التأليفية التركيبية، ووظيفته التحليلية.
ويقوم الدماغ بتمييز البيانات الحسية، وتوحيدها، وربطها، بعد أن يتسلمها من الحواس، ويخلق بالتالي الإدراك المحدود المعين الذي ما أن تحلله قوة الوعي، وتدرسه، وتربطه بالنفس، حتى يصبح خبرة لهذا الإنسان.
العقل ليس هو الدماغ المادي الذي تحويه الجمجمة فحسب، بل العقل شيء والدماغ شيء آخر، العقل قوة والدماغ مادة، وإذا كنا نرى أن الإدراك العقلي يعتمد على الدماغ ويتأثر بسلامته وقوته ومرضه وضعفه، فما ذلك إلا لأن الدماغ وعاء للعقل، وسند له، وآلة يسري في مجاريها، فإذا تعطلت الآلة اختلّ سير القوة واضطرب، كالماء يجري في الساقية ويخضع في سيره لتعاريجها، ولكن خضوعه هذا لا يعني أن الماء هو المجرى والمجرى هو الماء.
وإن ما يعتري عقولنا من الميل إلى تفسير كل شيء من طريق المادة فذلك لأن جزءاً من عقولنا - العقل الظاهر - نشأ ليمارس إدراك الأجسام المادية فاكتسب من هذا المحيط المادي كثيراً من تصوراته وقوانينه، وأيضاً إننا لم نعرف حتى اليوم كيف ننظر إلى حقائق الأشياء ولم نعرف كيف نحييها لنراها. وذلك لأننا نجزئ الحقيقة لنستطيع إدراكها؛ أي إن عقولنا تتلقى الصورة الكونية مجزأة دون أن تلاحظ وتدرك الترابط بينها في حركتها المستمرة ككل؛ مع أن الحقيقة لا تدرك إلا بهذه النظرة الشاملة التي نستطيع بها أن نحيي الحقيقة الكلية لنراها.
فلا يجوز أن يقال: إن الصور الحسية هي أجزاء الكل وأجزاء الحقيقة فإدراكها إدراك للحقيقة الحية؛ لأن إدراك الأجزاء مقطعة شيء، وإدراكها في حركتها وتواصلها وترابطها شيء آخر. كمثل على ذلك الشريط في الصور المتحركة، ترى الصور فيه، عند سكونه، مجزأة لا حياة فيها ولا حركة، فإذا تحرك دبّت الحركة في الصور كلها، وظهرت حقيقة الحياة المنقولة في مجموع الصور (ككل) ندرك منه معنى الرواية. كذلك لا يجوز أبداً أن يقال: إن إدراك أجزاء الشيء يستلزم إدراك الشيء كله، على حقيقته، من غير ربط تلك الأجزاء. وأصدق دليل على ذلك، الخط المستقيم والخط المنحني: فإننا إذا نظرنا إليهما وجدنا إن كلاًّ منهما يتكون من نقاط، هي هي بذاتها لا تتغير في الخطين، ولكننا لا نستطيع أن نقول: إن المستقيم والمنحني شيء واحد، بحجة أن أجزاءهما واحدة. وكذلك الحقيقة الحية للوجود والحياة التي فيها، لا نستطيع إدراكها بمجرد إدراك أجزائها، بل لا بد من رؤية الترابط والتواصل بينها، ورؤية الحركة تسري فيها باستمرار واتصال؛ وهذا ما تغفل عنه عقولنا، ولكننا ندرك بالإلهام المباشر (Intuition) والبصيرة اللذين نشعر بهما ونراهما في نفوسنا، من غير أن نعتمد فيهما على عقلنا الموضوعي الظاهر.
العقل الظاهر، يعجز عن إدراك الحقيقة، وهو ينظر إليها مجزأة، خلافاً للنظرة الشاملة إلى الكل المترابط المتواصل المتحرك الحي. فالكون كله من الذرة إلى المجرة ينبض كالجسد الواحد، بحياة واحدة، يتجلّى فيها ترابط الأجزاء وتواصلها وتعاونها وتساندها، تجلياً باهراً، يخلق في نفوسنا ذلك الإلهام أو الإدراك المباشر لوجود الله الخلاّق العظيم الحكيم.