أنت هنا

قراءة كتاب الإنطلاق من الصفر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإنطلاق من الصفر

الإنطلاق من الصفر

كتاب "الانطلاق من الصفر"، يتناول هذا الكتاب قصة رجل ولد فقيرًا في جزيرة توكونوشيما أصغر جزر اليابان الجنوبية وأكثرها تحديًا وكفاح، عمل وناضل وتحدى ورهن حياته ليحقق حلمه في بناء اكبر مجموعة طبية في العالم مبتدأ من الصفر، لقد صمم وهو في سنته العاشرة أن يكون ط

تقييمك:
5
Average: 5 (3 votes)
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 8
وبما أننا كنا نتبع أمريكا فلم يكن من السهل التردد على جزر اليابان الأم في حرية لأن اليابان وقتها كانت «دولة أجنبية»، فمن كان يستطيع الخروج من الجزيرة وإليها هو في أغلب الظن من ذوي الشأن والحظوة، كان تعداد الجزيرة وقتها خمسة وأربعون ألف نسمة، أما الآن فقد انخفض التعداد ليصبح خمسة وثلاثون ألف نسمة، ولأن تعداد الجزيرة ضئيل بهذا الشكل فإن تلك الجزيرة ليس لها وزن يذكر، وجزيرة توكونوشيما محصولها الأساسي هو قصب السكر، وهي مشهورة بغزل القطن وبوجود الثعبان الصغير السام المسمى «هابو»، لدرجة أن أعضاء نقابة الأطباء يطلقون عليّ أحيانًا لقب «ثعبان جزر أمامي»!
 
إن الزراعة في الجزيرة لا تقتصر فقط على قصب السكر، فهناك يُزرع أيضًا الأرز والبطاطا، وهما زراعتان ثانويتان بعد قصب السكر، أما الأسماك فيمكن اصطيادها بسهولة وكثرة لوجود الكثير من الشعاب المرجانية حول الجزيرة، إلا أن الغريب في الأمر أن الذين يقومون بحرفة الصيد قليلون من أهل الجزيرة، وقتها كان هناك من يبحرون سرًا باتجاه جزر اليابان الأم، وكنت كلما علمت بهروب واحد من زملائي في الدراسة إلى هناك، كان يغلبني شعور حزين قوي بأنني قد تُركت وحدي وأنني أريد أنا الآخر الذهاب واللحاق بالآخرين.
 
إن رفاق الدراسة عندما كانوا يعودون من هناك مرة أخرى إلى الجزيرة كانوا يظهرون أمام عينيّ مبهرين وكأنهم مثل رواد الفضاء الذين عادوا إلى الأرض لتوهم من رحلة في الفضاء البعيد.
 
إن قريتي التي ولدت وتربيت بها هي قرية صغيرة اسمها «كاميه توكو» لها مرفأ صغير على البحر، وكان تعداد سكانها آنذاك سبعمائة أو ثمانمائة فرد فقط، وكان يمتد هناك لسان من الخشب إلى داخل البوغاز، وكانت السفن حين تصل إلى هناك كان أهالي القرية كلهم يتجمعون لرؤيتها، حتى من كانوا يعملون ساعة وصول السفينة في حقولهم فقد كانوا يتوقفون عن العمل لمشاهدة السفينة، فقد كانت تلك السفن هي نقطة الوصل الوحيدة بين جزيرتنا وبين العالم الخارجي، وقتها لم يكن أهالي الجزيرة يملكون أجهزة المذياع في بيوتهم، وما أذكره الآن أنني عندما كنت في سنواتي الأولى في المرحلة الابتدائية لم تكن الكهرباء قد دخلت بيت أسرتي بعد، كنا نعيش على لمبة الكيروسين، لم تكن السفن كشاشات عرض الإرسال التلفزيوني الموجودة فى الشوارع الآن ولكنها كانت أهم وسيلة من وسائل الاستمتاع بالنسبة لنا.
 
ولأن السفن كانت مزودة بأجهزة المذياع وبمكبرات الصوت أيضًا، فقد كان صوت الراديو يتردد صداه عاليًا من ناحية السفن وهي ترسو عند المرفأ، ولأن ذلك الزمن كان بعد انتهاء الحرب مباشرةً فقد كانت تنساب تلك الألحان اليابانية التي انتشرت شعبيتها وقتها مثل : «لا تبك أيتها الحمامة الصغيرة» و «أغنية التفاحة» وغيرها من الألحان، وكان أهالي القرية يتجمعون عند المرفأ ويرددون تلك الأغاني معًا، ولأن المكان الذي كنا نسكن به كان بعيدًا عن المدن الكبيرة ومظاهر المدنية والتحضر فقد كنا نعيش ونحن نعاني الانعزال عن ذلك العالم، ولهذا فعندما كنا نستمع إلى تلك الموسيقى والأغاني تنساب من الراديو على حين فجأة كنا نشعر بشعور لا يمكن وصفه من الانتشاء، كانت أقدام جميع أهالي الجزيرة تقودهم إلى المرفأ دون شعور وبشكل تلقائي، وعندما كان يأتي زائر ما على سفينة من السفن وينزل على الجزيرة، كانت تفاصيل ومعلومات تلك الزيارة وهوية ذلك الشخص كلها تنتشر بين أهالي الجزيرة جميعهم في اليوم التالي، وعندما كانت سفينة من السفن تهم بمغادرة المرفأ كان ينساب لحن الوداع «ضوء الحشرة الفسفورية» من مكبر صوت السفينة، فكنت في تلك اللحظات أيضًا أعود لأعاني الشعور بالوحشة وبأنني تُركت وحيدًا.

الصفحات