كتاب "الانطلاق من الصفر"، يتناول هذا الكتاب قصة رجل ولد فقيرًا في جزيرة توكونوشيما أصغر جزر اليابان الجنوبية وأكثرها تحديًا وكفاح، عمل وناضل وتحدى ورهن حياته ليحقق حلمه في بناء اكبر مجموعة طبية في العالم مبتدأ من الصفر، لقد صمم وهو في سنته العاشرة أن يكون ط
أنت هنا
قراءة كتاب الإنطلاق من الصفر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
صدمة بسبب وفاة الأخ الأصغر :
حدث أن قام أهالي الجزيرة بالإبلاغ سرًّا عن نشاط أبي وسفرياته في الظلام لتهريب السكر، ولذلك فقد تم القبض عليه عدة مرات، وفي مرة من المرات حدث أن تلقى أبي عقوبة بالحبس في جزيرة من جزر «أمامي».
أبي كان اسمه «توكوتشيو»، وبالرغم من أنه كان فقيرًا إلا أنه كان من طبائعه حب مساعدة من هم أكثر منه فقرًا، وحتى مع قيامه بأعمال التجارة في السوق السوداء فلم يكن يتحدث عن تجارب فشله وإنما كان يتحدث فقط عن نجاحاته، ولذلك فأحيانًا كان يحقد عليه الآخرين.
ولم تكن هناك جرائم في جزيرة «توكونوشيما»، ولهذا فعادةً لم يكن هناك من يُعاقب بدخول السجن، وحتى العقوبة لم تكن بالمعنى المتعارف عليه في المجتمعات المدنية العادية. ولأن أبي كان يقوم بتسويق قصب السكر الذي يعجز أهالي الجزيرة عن التصرف فيه فلم يكن أحد من أهالي الجزيرة يتحدث عنه بالسوء، بل إن أهالي الجزيرة كانوا ـ على العكس ـ يشعرون بالتعاطف معه، لقد عوقب أبي بالحبس ثمانية أشهر مع الأشغال الشاقة، ومع أن فترة العقوبة كانت قصيرة، ولكن مع اختفاء رب البيت الذي يُعتمد عليه في أعمال الحقل فإن الأمر يكون مأساويًا، ولأنني كنت وقتها في المرحلة الابتدائية فقد كنت بمعنى من المعاني «رجلاً» وطاقةً عاملة، كان ذلك في السنة الثانية بعد انتهاء الحرب، أي في عام 1947. وكنا نرى في بيتنا بقرة كانت تقوم بالمساعدة في أعمال الفلاحة بالحقل وفي عصر القصب، وكان لزامًا عليَّ أن أقوم برعاية تلك البقرة، وكانت أمي وقتها قد حملت وكبرت بطنها ولم تكن تستطع الحركة، وكان بداخل بطنها أخي الثالث الأصغر الذي لا زال على قيد الحياة وقتها كان لي أخ أصغر يبلغ من العمر ثلاث سنوات، لكنه أصيب بالمرض، وفي الساعة الثالثة تقريبًا من منتصف الليل أخذ يتقيأ وأصيب بالإسهال، أي تلك الأعراض التي يطلقون عليها حاليًا «الجفاف».
طلبت أمي مني أن أنطلق إلى عيادة الطبيب كي أطلب منه الحضور إلى بيتنا لتوقيع الكشف على أخي، كانت تلك المهمة بالنسبة لي مبعثًا للرعب والضيق، فقد كنت لا أزال طفلاً في الصف الثالث الابتدائي لكنني كنت مجبرًا على الخروج في منتصف الليل، لقد نظرت إلى وجه أخي الصغير، كنت أنوي عدم الذهاب إذا لمحت عليه علامات الشفاء ولو بقدر ضئيل، لكنه كان قد فقد الوعي وجحظت عيناه واصفر وجهه.
قد يكون ما دفعني إلى القفز خارج باب المنزل هو انزعاجي من منظر وجهه، لكنني حين خرجت وجدت الظلام حالكًا تمامًا، ولأن المنطقة ريفية فلم يكن هناك بصيص نور واحد، وعلى الرغم من أنني اعتدت يوميًا على سلوك ذلك الطريق الممدود أمام البيت إلا أنني لحظتها وكأنما هناك شيء ما مثل شبح أسود يقف فجأةً أمامي معترضًا طريقي، وهنا أحسست بأن شعر رأسي قد وقف من الخوف والرعب، وشعرت أيضًا أن فرائصي قد ارتعدت وأن قدميّ لا تستطيعان حملي، ولكن لم يكن من المعقول أن أتراجع هاربًا إلى داخل البيت، كان يدور برأسي أيضًا منظر ثعابين الـ «هابو» السامة التي تختبئ بالحقول على جانبي الطريق، لم أجد أمامي سوى أن أطلق ساقيّ للريح فأعدو وأعدو كالمجنون دون وعي لتظهر أشجار النخيل الصغيرة أحيانًا في شكل تلك الأشباح التي أتخيلها، وأحيانًا أخرى تظهر بعض السيارات التي كانت تمر واحدة منها كل بضع دقائق وكأنها تلك الأشباح، وهكذا قطعت ذلك الطريق الذي لا يزيد طوله عن كيلومترين أركض بكل طاقتي.