رواية "زقنموت" للكاتب العراقي تحسين كرمياني، هي روايته السادسة التي تحمل عنوانا غريبا بعض الشيء وهو «زقنموت»، لكن هذه الغرابة سرعان ما تتلاشى حينما نتوغل في تضاعيف النص، ونسبر أغواره العميقة التي تعود بنا إلى زمن الديكتاتور وحروبه العبثية التي كان يشنّها عل
أنت هنا
قراءة كتاب زقنموت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
(ماهر) حين يعبر الشارع واضعاً قدميه على مفتتح الجبال، يترك خياله كحصان منفلت، يسرح في ضباب تام وغبار خانق بحثاً عن كلأ، ذاكرته دائماً جائعة، كلأها قصائد تدغدغه ليلاً، تسلبه نصف نومه، ومع الفجر تدفعه، فيخرج شبه مجنون، يلهث خلف أسراب كلمات تضج في فضاء (مغوّش)، بغية ترويضها·
كسله المتواصل ضيّع عليه وفرة أفكار وجملة قصائد، فهو حين ينام، تأتيه قصيدة أو تدغدغه فكرة يتكاسل أن يدونها، لا يمتلك إرادة حازمة كي ينهض حريصاً من سريره، ملتقطاً قلماً وفاتحاً دفتراً ليكتب ما يشعر به، تعود أن يترك كل أمر مستجد للصباح، رغم إدراكه سلفاً، أنّ كل صباحاته غير رباحات·
يهرب بحثاً عن كلمات ضاجعت مخيلته وولت تلوذ خارج فراشه·
ما بالها تبتسم، ما بالها تنحت عينيها فيَّ، ما بال (مها) هذا الصباح؟ (قال لسانه)
في صباحات متعاقبة، تخرج (مها)، تفرغ أحشاء صفيحة القمامة وتهرب داخلة البيت، أيّاماً لم تتحرك فيه دودة الوله ودعسوقة التعجب، لم يشعر بشبق يرضخه لإلقاء نظرة وتحرير ابتسامة إعجاب بوجه فتاة من الزقاق، عقله مفروغ من حمّى العواطف، رأسه أسير فوضى كلمات تتناطح داخل زنازين سمّاها (الفراهيدي) أوزاناً توزن هذيانات حفنة صعاليك وحشد عاطلين، قبل أن تمنح تصاريح رسميّة لتغدو أشعاراً مقبورة في دفاتر تتهرأ مع الوقت·
لا أحد في الزقاق غيره·
غسل الزقاق، مسح أسطح البيوت بعينين مفضوحتين، كي يغلبه الظن (مها) تقف من أجل شخصٍ ما، ما زالت تمطره بنظرات حيرته، ترسل بريق أسنانها من خلال انفراج شفتيها، أخيراً تأكد، وحده يقف لصق جدار، تبعد وقفته عن بيت (مها) مائة خطوة·
(مها) تناديني·! (قال لسانه)