أنا حاوية مخلفات (أجلكم الله) بأسماء متعددة· البعض يطلق عليّ حاوية قمامة· البعض الآخر يفضل اسم حاوية الفضلات· هناك من اختار لي اسم .برميل الزبالة.
أنت هنا
قراءة كتاب مذكرات حاوية مخلفات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
كنت أشفق كثيرا على .پاميلا. التي لم تكن تعلم بما يجري من وراء ظهرها· كانت مخدوعة بحبيبها، أو ربما كانت تدري بخيانته، ولكن لا تملك الجرأة الكافية لمواجهته، بفعل العشق الذي قيل إنه يحول الإنسان إلى كائن ذليل ومـُستـَعـْبـَد، كما كان حال قيس بن الملوح مع ليلى العامرية·
ذات مرة كنتُ شاهدة على واقعة كادت أن تقلع قصة حبهما من جذورها· عاد .يوسف. إلى شقته في الساعة السابعة إلا خمس دقائق مساء، وبمعيته فتاة غربية صغيرة الحجم، قصيرة القامة، ذهبية الشعر، زرقاء العينين، تبدو للناظر كصبية لم تبلغ سن الرشد بعد· دلفا بسرعة إلى العمارة، وانطلقا يجريان نحو الشقة وأيديهما متشابكة· رحتُ أتخيل ما سيفعله .يوسف. بهذه الصغيرة، التي يمكن حملها و.شقلبتها. وممارسة الجنس معها بمختلف الأوضاع· بعد وصولهما بخمس دقائق فقط وصلتْ .پاميلا. من المطار رأسا، بملابس عملها المميزة، وهي في شوق للارتماء في أحضان خليلها· هكذا بدتْ لي من إاتسامتها المشرقة، ولمعان عينيها، وسرعة خطواتها، واندفاعها نحو شقة .يوسف.
لكن المسكينة عادت أدراجها بعد عشر دقائق من الانتظار أمام الباب وقرع جرسه··· عادت ودموعها تنساب ساخنة على خدها الوردي، والشعاع المنكسر على أحجار عقدها تحاول أن تتوارى حزنا لحزنها، وتضامنا مع عذابها· كم هو صعب أن تختنق الفرحة في داخل المرء فجأة!
توقعتُ أنّ .يوسف. تحاشى فتح الباب لـ .پاميلا. كيلا ينفضح أمره، مؤجلا الالتقاء بها إلى حين اختلاق كذبة تخرجه من ورطته، خصوصا وأن .پاميلا. تأكدتْ من وجوده داخل الشقة، مستدلة بسيارته .الپورش. الحمراء الواقفة أمام المبنى·
وهذا ما كان؛ إذْ لم تمض عشر دقائق على انصراف .پاميلا.، إلا و.يوسف. يخرج من جحره متلفتا يمنة ويسرة، خوفا من أن تكون حبيبته مختبئة في مكان ما لاصطياده بالجرم المشهود· حينما تأكد من أن الطريق إلى الخارج سالك وآمن، أشار إلى فتاته قائلا: .أليه·· بوجيه فيت·· إيل نياپا كون بيرسون. (هيا·· تحركي بسرعة·· لا يوجد أحد)· علمتُ حينها أن فتاته الجديدة فرنسية، وأنه يستعجلها لتلحق به إلى سيارته كي يرميها بعيدا·
في هذه الأثناء كانت عبقريته قد تفتقتْ عن كذبة ذكية يعيد بها الصفاء إلى علاقته مع .پاميلا.، التي بدتْ لي متساهلة كثيرا معه، أو مستضعفة إلى الحد الذي يمكن معه أن تقبل بأي تبرير لأي خطأ من حبيبها·
من الذكريات التي لن أنساها، خلال فترة خدمتي في هذا الحي، تربص أحد رجال الدين المتزمتين بصديقي .يوسف. كان هذا المتزمت يدير مركزا دعويا ملاصقا لمكان إقامة الأخير، بل ويقيم بداخله مع جماعة من رفاقه الملتحين، من ذوي .الدشاديش. القصيرة والوجوه المكفهـّرة· بدا لي أنه مستاء جدا مما يقيمه .يوسف. من حفلات مختلطة حتى ساعات الفجر الأولى، فقرر أن يؤذيه، دون رادع أو خوف أو اعتراف بمبدأ أن .الناس أحرار في ما يختارونه لأنفسهم طالما أنهم لا يتعدون على حريات الآخرين وخياراتهم. ذات يوم سـبق الرجل شمس الصباح في الاستيقاظ·· رأيته يتسلل في جنح الظلام نحو مكان وقوف سيارة .يوسف. وضع بإحكام تحت عجلاتها الأربع مسامير حادة· بعده دلف إلى داخل مركزه· خرج بعد لحيظات وقطرات الماء تسقط من وجهه ولحيته الكثة· توجه صوب المسجد القريب لأداء صلاة الفجر جماعة، وكأنه لم يرتكب جرما بحق جاره· شعرتُ بغيظ شديد يأسر جوانحي من هذا المتهور، الذي يرتدي ملابس الإنسان التقي الورع، ويدّعي الالتزام بالدين، فيما هو يخالف أبسط مفاهيم الدين وهو .كف الأذى عن الجار. وددتُ حينها لو كان لي لسان ينطق لأخبر .يوسف. عمن حاول إتلاف إطارات سيارته· وددتُ لو كان باستطاعتي الذهاب إلى مركز شرطة .الحورة. القريب لتسجيل إفادتي عن الحادثة· وددتُ لو كان لي لسان لأصيح في وجه رجل الدين المتهور بالقول المأثور لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب .ليس حق الجوار كف الأذى·· بل وأيضا الصبر على الأذى.، إنْ كان هناك أذى·