رواية "يا صاحبي السجن" للشاعر والروائي الأردني د. أيمن العتوم ، صدرت في طبعتها الثالثة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر للعام 2013، وتحكي الرواية تجربة الشاعر بين عامي 1996 و 1997.
أنت هنا
قراءة كتاب يا صاحبي السجن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
\
بعد إلقائي القصيدة، شعرت بقلعة عجلون تشدّني من يدي إلى زاوية من زواياها القصيّة، حينها تشكّلت القلعة أنثى في ذلك المساء، وراحت تسألني بعض الوقت معها، كنتُ - من أجل عينيها - مستعدًّا أن أبقى مُسامرًا لها حتّى ظهور صلاح الدّين مرّة ثانية، أو حتّى يطلع علينا أسامة بن منقذ ممتطيًا صهوة جواده عابرًا الممرّات المتشابكة، وصولاً إلينا هناك، حيث التّاريخ يُسجّل لقاء استثنائيًّا بين عاشِقَين··!!
تنهّدت القلعة طويلاً، أشفقتُ عليها يومها، وراحت تتمتم بعبارات غامضة، لم أتبيّن ما تقوله؛ خلتُ أنّني أسمع نشيجًا، لم يكن كذلك، أقصد أنّني سمعتُ سيمفونيّة حزينة، غنّتها بصوتٍ هادئ ساحر، وشعرتُ - كما لم أشعر من قبل - بحبّ عتيق يجتاح جوارحي جمعاء؛ كان صوتها يشدّني إليها أكثر، ويجعلني أنحني لأطبع قبلةً على ترابها المضمّخ بالمسك··· لم أقل كلمة واحدة، ظللتُ حتّى هبوط اللّيل أستمع إلى موسيقاها الشّجيّة، وحين لاح القمر في الأفق، كان نصفُه مضيئًا، بدأ يقترب منّا وهو يصعد ليصبح مشرِفًا علينا من علٍ··· كان ظلّي يرتمي بين يدي القلعة، وحينَ غادرتها تركتُ ظلّي هناك، وجعلتُ القمر عليه دليلاً···
مرّ أسبوع على الأقلّ منذ منتصف شهر آب في العام 1996م، التّاريخ الّذي ألقيتُ فيه فاجعتي والتقيتُ فيه رائعتي، ولا زالت جوارحي معطّرة بلقاء القلعة، يرافقني اللّقاء حيثُ أذهب، أخرج من البيت فيخرج معي، أصعد الباص فيفعل مثلي، أدخل الجامعة فلا يتركني، وحين أهمّ بقراءة كتاب، تخرج ظِلاله من بين السّطور··· ولا يختفي، بل قل لا ينزوي جانبًا إلاّ حين ألتقي بعض الأصدقاء القُدامى أو الزّملاء··· ثمّ يُعاود الظّهور مرّة أخرى حالما أفارقهم· أحد الزّملاء نظر إليّ مستغربًا، قال لي:
- لم أتوقّع أن أراك هنا !!
- ماذا تعني (أخاطبه وأنا أمسك بعِيْنة من التّربة بين يديّ في المختبر لأفحصها···) ؟!
- ألم يأتك زوّار اللّيل···؟!
- زوّار اللّيل··· لا تزورني في اللّيل إلاّ قصائدي !!
- لا تتحذلق··!!
- يا رجل··· ماذا تقصد بزوّار اللّيل··؟!
- لقد علمتُ من قريبٍ لي في المُخابرات أنّهم يتحيّنون الفرصة لإلقاء القبض عليك··؟!
- ولماذا (بلامبالاة) ؟! وبتهمة ماذا؟
- يريدون القبض عليك، هذا كلّ ما علمته··· ولا تُخبر أحدًا أنّني أخبرتك···
- ليفعلوا ما بدا لهم···!!
- لستَ خائفًا !!
- ولماذا أخاف··· لم أرتكب ذنبًا غير الشّعر··· هل هو خطيئة···؟!
-····· !!!!!