أنت هنا

قراءة كتاب يا صاحبي السجن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يا صاحبي السجن

يا صاحبي السجن

رواية "يا صاحبي السجن" للشاعر والروائي الأردني د. أيمن العتوم ، صدرت في طبعتها الثالثة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر للعام 2013، وتحكي الرواية تجربة الشاعر بين عامي 1996 و 1997.

تقييمك:
3.66665
Average: 3.7 (3 votes)
الصفحة رقم: 8
دفع العسكريّ - وهو ضابط برتبة ملازم - يده بالورقة الّتي بين يديه إلى أبي، قرأها أبي··· وحتّى هذه اللّحظة أعرف أنّني أنا المقصود، غير أنّ أبي الّذي لم تتغيّر ملامح وجهه قال بنبرةٍ واثقة، ولكنّها خفيضةٌ بعضَ الشّيء: انتظروا قليلاً· وهَمّ بأن يُغلق الباب في وجوههم· أعرف أنّه كان يريد أن يفعل ذلك ليعطيني فرصةً للاطّلاع على محتوى الورقة، ولكي يناقشني في كيفيّة التّصرّف حيالها··· غير أنّ الضّابط والآخرين ساوَرَتْهم الشّكوكُ فجأة، وعدُّوا ذلك من قبيل الرّفض أو التّهرّب، لم يُكمل أبي إغلاق الباب حين وضع الضّابط يده في الفراغ المتبقّي قبيل أن ينغلق الباب تمامًا، وحينَ انفتح الباب ثانية، رأيتُ على وجه الضّابط المسكين علامات الرّجاء اليائس، بأن يُنفَّذ الأمر حالاً· خِلتُ وجهه اسودّ في تلك اللحظة ربّما خوفًا على نفسه من أن يفشل في مهمّة بسيطةٍ كهذه، ويشهد على ذلك ثلاثة من ضُبّاط المخابرات يقفون خلفه مُتحفّزين··· لم نقاوم انفتاح الباب أنا وأبي أمامهم··· أفسح أبي الطّريق، وأشار دون أن يتكلّم إلى غرفتي···
 
كانت الورقة، من مدّعي عام محكمة أمن الدّولة، تُعطي الجوقة الّتي حلّت علينا ضيفًا غير مُتوقَّعٍ في ذلك المساء الحقَّ بتفتيش الغرفة، ومصادرة كلّ ما يُمكن أن يهدّد أمن الدّولة واستقرارَها···!! الضّابط ذو اللّباس العسكريّ احتلّ زاويةً في الغرفة، وأقعى فيها دون أن يتحرّك شبرًا واحدًا··· الثّلاثة الآخرون هم الّذين بدؤوا يمارسون هوايتهم المُفضّلة في نبش كلّ ما يقع تحت أيديهم··· بدا الأوّل طويلاً جهمًا ممتلئ الجسم، يتهدّل ما فاض من كرشه عن حِزام البطن، وعيناه ملوّنتان، غاض فيهما البِشْر، وتملكتْهُما الغِلظة··· الآخران مربوعان، أحدهما نحيلٌ مفرطٌ في النّحول لم أره من قبل، والثّاني لم يكن شكله غريبًا عليّ لكثرة ما رأيته في المظاهرات والمسيرات والنّدوات الّتي يُقيمها اتّحاد الطّلبة في جامعة العلوم والتّكنولوجيا··· لطالما استمع إليّ وأنا ألقي قصائدي وبدا من أكثر المتحمّسين لشعري!!
 
كانت غرفتي متواضعة الأثاث، تخلو من كلّ شيءٍ عدا مكتبي الّذي تناثرت فوقه بعض الكتب والأوراق، ومكتبتي الّتي تحوي من نُثارات قصائدي أكثر مِما تحتويه من الكتب··· وخزانة فيها بعض الأشرطة والدّروع··· بهذه المواصفات البسيطة بدت غرفتي كنزًا ثمينًا لزوّار اللّيل (تذكّرت كلمة زوّار اللّيل الّتي قالها زميلي ونحن في مختبر التّربة في الجامعة)· هجموا على كلّ ورقة مكتوبة، وأخذوها، شريط الفيديو كان مادّة إثبات التّهمة عليّ؛ إذ إنّه كان شريط الأمسية الشّعريّة في قلعة عجلون، والّذي بسببها تُقام الحفلة الآن· جواز السّفر الّذي وقع بين يدي أحدهم، تصفّحه، ثمّ مدّ به إلى أبي، كأنّما يُشعره بمنّة عظيمة أنّه لم يأخذه· قال له أبي: بالطّبع لن تأخذه· فردّ عليه باستعلاء وعجرفة: أتريدني أن أصادره؟! فبادره أبي قائلاً: ليس لك الحقّ في ذلك! ليس من قانون يتيح لك هذا الأمر· ولأنّ ضابط المخابرات تذكّر أنّ مهمّته مصادرة كلّ ما يعرّض أمن الدّولة للخطر فقد كفّ عن الاستمرار في مناكفة أبي، ولعلّه رجع إلى نفسه فقال: يا لَغبائي، هذا جوازٌ تُصدره الدّولة؟ فكيف يُمكن أن تُصدر الدّولة ما يُهدّد أمنَها؟!

الصفحات