رواية "أبحث عن نفسي" الجزء الثالث من ثلاثية للروائية البحرينية " فتحية ناصر"؛ الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، هي ثلاثية من عشرة فصول رئيسية وأربعين باب، تناقش الصراعات الداخلية في النفس البشرية والتناقضات التي يعيشها الإنسان عبر التطرّق لكل ما ي
أنت هنا
قراءة كتاب ابحث عن نفسي - الجزء الثالث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
مشيت في المقابر؛ أتذكر قول الله لنبيه عيسى: يا عيسى··· هب لي من عينيك الدموع، ومن قلبك الخشوع· وقم على قبور الأموات فنادهم بالصوت الرفيع لعلك تأخذ موعظتك منهم، وقل: إني لاحقٌ في اللاحقين··· وقوله في التوراة: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح؟·· ولمن أيقن بالحساب كيف يذنب·· ولمن أيقن بالقدَر كيف يحزن، ولمن أيقن بالنار كيف يضحك، ولمن رأى تقلب الدنيا بأهلها كيف يطمئنُّ إليها···· ولمن أيقن بالجزاء·· كيف لا يعمل؟····
وأصبحت كل آية عذابٍ تبكيني، وحتى·· كل آية رحمة··· تذكّرني بأني لا أستحق عفو الله ورغم ذلك فهو يرحم··· وكل نداء حميمٍ من الله إلى ابن آدم في حديث قدسي يبكيني·· لحنانه··· وقربه للقلوب·· حين يقول···
عبدي·· أنا وحقي لك محب، فبحقي عليك كن لي محباً··· وحين خاطب داوود: ذكّر عبادي نعمائي وإحساني إليهم· وحبّبني إليهم فإنهم لا يحبون إلا من أحسنَ إليهم وحين قال·· يا داوود·· بلّغ أهل الأرض أني حبيب من أحبني، وجليس من جالسَني·· ومؤنس من أنس بذكري· وصاحبٌ لمن صاحبني، ومختارٌ لمن اختارني······
فاخترت صحبته·· والأنس بقربه···
أصبحتُ حبيسة غرفتي أمضي وقتي في التعبد؛ أختار من القرآن سوراً تشعرني بقربي إلى الله، ولم أكن أملُّ·· والوقت يمضي وأنا لا أشعر به حتى إن الشمس تشرق أحياناً في غفلةٍ مني، وأنا ساهرة طوال الليل أدعو وأقرأ· لم يعد يعرف أحدٌ إن كنت في البيت أم لا· الخادمة تأتيني صباحاً بصينية فطوري؛ فإذا لم أفتح ظنت أني لست هناك، فعادت أدراجها· وتعود تأتي وقت الغداء وتطرق الباب فلا أفتح لها· وأبي·· نادراً ما ألتقيه·
ساعدني كثيراً اختلاف نوبات عملي التي لا يركز أبي في تفاصيل مواعيدها، ساعدني على ممارسة اعتكافي· واظبت على قراءة دعاء كميل، ودعاء الندبة، ودعاء التوسل، وسورة يس· وكان لبعض الآيات عندي مكانةٌ خاصة فأرددها دائماً؛ وبعض الأذكار أرددها مع كل فعل، فإذا استيقظت من نومي قلت: الحمد لله الذي بعثني من مرقدي ولو شاء جعله سرمدا وإذا أشرقت الشمس قلت: أصبحنا وأصبح الملك والملكوت والليل والنهار وما يكون فيهما لله وحده··· وإذا ركبت سيارتي قلت: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين··· وأذكر دائماً قوله تعالى: فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر الله وأدعوه·· أن لا يردني لسوء استنقذني منه، وأن لا يبتليني ثانيةً بالغفلة·
لقد ملأ اسم الله أوراقي·· زيّنَ أي ورقةٍ وقعَت بين يدي·· كما يكتب كل محب دون شعور اسم حبيبه؛ كما كنت أكتب اسمك في دفاتري المدرسية وأنا صغيرة··· وكلماتُ الأدعية التي حفظتها لكثرة تكراري قراءتها باتت دون قصد تنساب من حبر أي قلم أمسكه لأخطَّ شيئاً···
إلهي··· لو طردتني من بابك·· لو نهرتَني وزجرتني···
لو من جوارك بعّدتَني ما كففتُ عن تملقك·· وما برحتُ من بابك لما انتهى إليه قلبي من المعرفة بكرمك·· ورأفتك ورحمتك
فهبني يا إلهي صبرت على عذابك؛ فكيف أصبر على فراقك··
وهبني صبرت على حر نارك، فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك··
ربِّ لئن طالبتني يوم القيامة بذنوبي لأطالبنّك بعفوك··
ولئن طالبتني بلؤمي لأطالبنّك بكرمك··
ولئن أدخلتني النار·· لأخبرنّ أهلها أني أحبك···
أحبك······؟
وتوقفتُ عندها وأنا أخط ذلك المقطع، وهمستُ لنفسي··


