رواية "سارة" للكاتب السعودي صالح بن ابراهيم السكاكر، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، قد تكون مثالاً واضحًا عن سعي الى الاتيان بجديد على صعيدي الاسلوب والمحتوى لكن الامر يتحول الى عكس ما هو مستهدف ويتحول الى ما يمكن وصفه بانه عبء على الكاتب والقا
أنت هنا
قراءة كتاب سارة قصة الحب الخالدة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

سارة قصة الحب الخالدة
الصفحة رقم: 7
نظر إليّ ووضع يده الغالية على شعري وقال:
- يا ولدي الفرق الكامن بين الحيوان والإنسان هو العقل، وللأسف أغلب البشر لا عقول لهم! فلو وجد العقل لديهم لما انتشر الظلم والفساد والكذب والنفاق، ولما وجدت خيانة المشاعر وعدم الوفاء، وهم مؤمنون أن هذه الدنيا فانية ولن يبقى لنا غير وفائنا وأخلاقنا الجميلة، أفهمت يا طفلي! هم أشبة بالحيوانات لأن شهواتهم سيطرت على عقولهم، انتبه أن تكون حيواناً يا ولدي! حرر نفسك، حررها من كل عيب ونقيصة، من كل جرثومة تحاول قتل الشيء الجميل فيك، تحرر يا ولدي وكن شريفاً ··
- كيف يصبح الإنسان شريفاً؟
قلت كذلك وكنت موقناً أني أتحدث مع أعظم إنسان يعيش الآن!
- عندما يعترف شخص ما بأنه اقترف خطأً فهذا يعني أنه حرر نفسه من هذا الخطأ وأصبح شريفاً ··
قال كذلك وسكت برهة من الزمن، جلس على الأرض التي أحبها وأحبته، جلس على ذلك الطين الذي سقاه بماء قلبه وبحبه ووفائه لها، وأردف يقول :
- كن وفياً، فالوفاء هو العدالة يا ولدي، فمن يريد أن يكون عادلاً مع نفسه ينبغي عليه أن يكون وفياً، وأن يكون الوفاء واقعه ومستقبله، كن وفياً تعش سعيداً حتى وإن رآك الناس غير ذلك، كن وفياً بالتعبير عن وفائك لمن تحب قبل حصول الموقف الذي يجبرك على الوفاء، أعلن وفاءك للأرض وللسماء وللناس وللشجر والبحر وللنخيل، لا تنس يا ولدي أن تكون وفياً للنخيل، كن وفياً يا ولدي؛ فعندما تصادف إنسانا يخطىء عليك لا تقابل خطأه بخطأ آخر بل كن وفياً للإنسان، فالإنسان ضعيف لا يعيش بلا أخطاء، كن وفياً له يا ولدي وابتسم له، وتذكر أن الوفاء ألزم للمحب منه للمحبوب، وأنت مُحب لهذا الإنسان، لهذه الأرض؛ لذا يجب أن تكون وفياً لها، كن وفياً فالوفاء عامود الحب ·· ·
عندما أكتب عن ماذا أكتب؟ إني لا أكتب عن نفسي فقط وإنما أكتب عن تلك البيئة الغريبة المتناقضة التي يعيش فيها الإنسان السعودي! أكتب الحقيقة متجردة من غير تزييف أو مراء! أما الحقيقة فهي حقيقة واحده لا وجود لغيرها، والمثقف أو من يحمل الضمير الحي ينبغي عليه أن يحمل الحقيقة ويدافع عنها بقلبه، بقلمه، بثقافته، بأدبه، بمناقشاته، بآرائه، وبكل ما يملك من أسلحة يحملها في وجه القوه! والقوة هنا حقيرة تريد أن تطفىء نور الحقيقة عبر الكلمات الرنانة والجمل البديعة، جمل الكذب والتزييف والخداع! أما الحقيقة فهي حكاية قاتمة من تلك الحكايات المظلمة الأليمة، التي كثيراً ما تحدث هنا أو هنالك في وطني دون أن يعيرها أحد أي انتباه، وكأنها ألغاز خُلقت حتى تظل مخفية تحت أشعة شمس الوطن! حكاية تحدث في تلك الحياة الصاخبة المتفجرة والمتخمة بالمادة، تلك الحياة التي لا تنام أبداً، فكيف تنام وسط معمعة الحياة المادية، وسط التفكير بالذات قبل العامة، وسط المصالح التي قد تبيح كل شيء، متبعة من قاعدة مكيافلي: (الغاية تبرر الوسيلة)، مبدأ يصرح لها كل شيء، إنها قصة وحكاية لا بد أن يأتي زمن ما وتكتب حتى يدمع القلب، وتترقرق العينان، وتختفي الغشاوة، ويتفتح العقل، وتطرح الأسئلة، ويتلاشى الوهم الذي أوجدناه نحن! إنها قصة الفقراء والبائسين والمهانين والمعذبين، قصة ذلك التمايز الخطير بين طبقات المجتمع، ذلك التمايز الذي هو سبب شقاء كل طبقات المجتمع بلا استثناء، بل هو سبب المآسي التي لن تنتهي أبداً إلا بوجود قانون كالحديد صلب، لا يفرق بين أحد مهما كان هذا الأحد! لذلك عندما ينادى بالإصلاحات في سائر القوانين والأنظمة وكذلك المناهج بلا استثناء، لا ينبغي الخوف منها ونبذها، بل يجب تفنيدها، الرديء نرفضه مع تبيان أسباب الرفض، والجيد منها نقبله وندعمه بكل الوسائل الممكنة؛ لأن تلك الإصلاحات في المجالات كافة سوف تؤسس قوانين حقيقية، قوانين تبني العقول وتحيي الضمائر الميتة، وما أحوجنا نحن لذلك!
·· لم تكن طفولتي غير ذلك، قصة من تلك القصص المأساوية، والمأساة تتعاظم يوماً بعد يوم، هل أستطيع أنا ابن الأربعين أن أنسى أو أتناسى ذلك اليوم الخالد من ذكريات طفولتي يوم ناداني أبي لغرفته، كان الليل في منتصفه، قربني منه وبدأ يروي لي قصصاً عن الماضي بصوت خفيف ولحن مميز، كان يفعل ذلك وعيناه الصغيرتان تتأملانني كما لو كانتا تمنحانني الطاقة التي تجعلني أحب الحياة دائماً، كان أبي يقص وكنت أحسبني في حفلة موسيقية لا أمل منها أبداً، وكلما استرسل في قصة شدني للأخرى، وكلما ملكني فرح عظيم يذهب النوم عن عينيّ، وبسبب تلك الذكريات كنت عندما أشاهد التلفاز والأب يحكي قصة لطفله وينام طفله، كنت أتساءل : لماذا لم أنم من قصص أبي!؟ وبعد سنوات عرفت السبب: ذلك لأن أبي غير كل الآباء·· بعد أن أنهى أبي قصة تلك الليلة بدأ يضمني بحنان أقوى وأعظم من ذي قبل، ثم رفعني للسرير وجعلني أمامه، فبدأت أتأمل أبي بتركيز شديد، أتأمل شفتيه اللتين بهما يقبلني، أتأمل شعره الحريري، أتأمل وجنتيه الحنونتين، أتأمل حركات يديه المتقشرتين، أتأمل عينيه وآه من عينيه الحزينتين، بدأت فجأة تتدحرج عبراته الثملة على وجهه المثقل بهموم الدنيا، فيمسح تلك العبرات عن وجنتيه بمنديله ويضعه داخل مخبئه، ويمد يديه ويضعهما على كتفيّ، ويتأملني بطريقة لم أعهدها سابقاً فتبدأ الكلمات تخرج متراقصة حزينة من بين شفتيه :
- أبقَ عزيزاً، أبقَ عزيزاً، كرامتك فوق كل شيء مدى الحياة، لا تمد يدك طالباً عفواً مستجدياً قرداً! مهما كان ومهما هو ذلك الإنسان! في وسعك يا ولدي أن تكون ذليلاً لهذا القرد الغبي، ولكن ستندم طوال حياتك، إنه شرير، نجس، خبيث، حقير من يريد إهانتك، إني آمرك يا ولدي أن تبقى عزيزاً بكل سلام، عش يا ولدي مسالماً الناس، ابتعد عن خلق أعداء لك، فهذا أهم أسباب النجاح: الحياة بلا أعداء حقيقيين، كن طيباً يا طفلي مع الناس، ولكن كن شديداً عنيداً، اسمع لما يقوله الغير، أرخ حواسك لهم، تأمل كثيراً وتذكر وفكر أكثر، واربط الأفكار ولا تتحدث بشيء إلا بعدما تفكر وتتأمل كثيراً، يا ولدي لا تهرب أبداً من الحياة واجهها بكل قوة، بكل ذكاء، كن ليناً حتى لا تكسر مجاديفك، تأمل دائماً في تساقط الأوراق، ماذا يعني ذلك؟! الأكيد أنه يعني للعامة دنو فصل الشتاء وحلول فصل الخريف، ولكن ماذا يعني ذلك للإنسان المتأمل الذي يفكر عميقاً بكل شيء يراه؟ إنه يعني يا طفلي أن كل شيء مهما اشتد عوده وقسا وقوي، سيزول حتماً، لأجل ذلك انتبه وضع أمام عينيك : لا شيء خالداً سوى الأفكار العظيمة ·· · انتبه يا طفلي ··
قال كذلك أبي، ذلك الجبل الشامخ الذي لم ينصفه القدر، قال كذلك وأغمض عينيه استعداداً لنوم تلك الليلة، أما أنا ذلك الطفل صاحب العشر سنوات لم أكن أدرك شيئاً أبداً!