رواية "سارة" للكاتب السعودي صالح بن ابراهيم السكاكر، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، قد تكون مثالاً واضحًا عن سعي الى الاتيان بجديد على صعيدي الاسلوب والمحتوى لكن الامر يتحول الى عكس ما هو مستهدف ويتحول الى ما يمكن وصفه بانه عبء على الكاتب والقا
أنت هنا
قراءة كتاب سارة قصة الحب الخالدة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

سارة قصة الحب الخالدة
الصفحة رقم: 9
·· بعد تسعة أشهر من وفاة أبي تزوجت أمي، أما يوم زواجها فقد كان يوم قتلي وقتل مشاعري كاملة تجاهها!أحياناً أقول إن لها الحق؛ فهي تريد رجل يسترها ويساعدها ويحميها، ومرات أخرى أقول لا حق لها أبداً بأن تتزوج، فلن يمنحها أي رجل قلباً ومشاعر وحباً وأحاسيس كما فعل أبي! قُتلت مشاعري في الثاني والعشرين من شهر أغسطس، عندما لمحت أمي ورجلاً آخر لا أعرفه ولا يعرفني، رجل يقال إنه زوجها يمسكها بيديه، رأيت في تلك اللحظة أن شيئاً لم أكن أحبه، بل كنت أحب بقاءه بجانبي لا أكثر من ذلك، في تلك اللحظة رأيت ذلك الشيء يخرب، يتسخ، يتلوث، يتعفن! لقد رأيت أمي وهي تبيع قلب أبي الذي لو كان على قيد الحياة لما باع قلبها مع أي امرأة أخرى! في ذلك اليوم الذي قتلت فيه مشاعري كاملة تجاه أمي، هربت مسرعاً وكتبت في مذكراتي:
أمي حملتني تسعة أشهر، أرضعتني زمناً، عملتِ أشياء كثيرة أوجبها عليكِ الخالق، قد تكونين سهرت على تمريضي! ضربتني كثيراً، اتهمتني أكثر وأكثر من أي شيء أخر! عملت أشياء وأشياء لأني طفلكِ، ولكن اسمحي لي إعلان التخلي عن كل ما عملتيه وما قدمته لي! اسمحي لي أن أكتب : من هذا اليوم أنحل آخر حبل يربطنا سوياً! أتعلمين لماذا؟! لأنكِ لا تدركين معنى الوفاء! انسي طفلكِ حتى لو مر بقلبكِ صدفة! انسيني فأنا مجرد إنسان يعيش واقعه بلا أب وبلا أم، إنسان يعيش فقط ذكرى أب خالد ··
·· ذهبت للعيش عند جدتي في غرفة مظلمة كئيبة، كنت أستيقظ على رائحة قذرة، وجدران ملطخة بألوان غريبة لا تمت للحياة بصلة، وأحياناً تراني أستيقظ على صوت فأرة تحاول أكل جزء من المقعد الخشبي المهترىء، غرفة توجد بها نافذة تطل على خرابة، هذه الخرابة جعلتني بالفعل أمقت الحياة التي أحياها، في الماضي وأثناء حياة أبي إذا رغبت بالتأمل فهو من خلال النافذة المطلة على حقول النخيل، ولكن ها هنا عند جدتي إذا احتجت التأمل فيجب إغماض عيني؛ لأن لا شيء هنا يرسل بتأملاتي إلى أماكن بعيدة! وضعت كتب أبي داخل خزانة الملابس محاولاً إبعادها عن الفئران! كنت في كل يوم أقبلها وأضمها وأنظفها، وأخذ كتاباً وأجلس أقرأ، وفي الأغلب لا أفهم مما أقرأ شيئاً، لا أفهم عما يكتب جان بول سارتر، ولا أدرك أي مصطلح يستخدمه، ولا أفهم ماذا يرغب فيدور دوستويفسكي أن يقول، ولا أعلم عما يفكر ألبير كاميه عندما كتب الإنسان المتمرد، كل ما كنت أفهمه جيداً كلمات أبي وهو يردد: اقرأ، أقرأ كثيراً ولا تتضايق يا ولدي عندما لا تفهم ما تقرأه، المهم أن تستمر بالقراءة، وستجد نفسك وقد فهمت كثيراً، المهم اقرأ ولا تتوقف عن القراءة ··
·· عشت عند جدتي حتى عمر الثامنة عشرة، كنت أعيش أفظع درجات الحرمان من كل شيء، كانت عمتي المراهقة التي تدعي التدين والتقوى كثيراً ما تضربني، بل كانت تتفنن في تعذيبي! أذكر مره كان بيتنا مزدحماً بالأطفال فبدأت عمتي توزع الحلوى التي جلبتها جدتي، حلوى من جميع الأصناف، جلست أنتظر إعطائي ولكن لا حياة لمن تنادي! ذهبت لها بكل طفولة طالبا كما غيري ولكنها رفضت إعطائي شيئاً، بل إنها وبكل حقارة وغل وحسد بدأت بأظافرها الحديدية تضغط على رأسي! وأذكر أن مخدتي قد امتلأت دماً في ذلك اليوم! عندما أخبرت جدتي لم تفعل أي شيء، بل إنها قالت : الأكيد أنك عملت شيئاً أجبرها على عقابك! بعد تلك الحادثة صرت أخاف من عمتي، وأحاول ألا أتصادف معها، ومن شدة خوفي كنت أعتقد أن كل البشر رجالاً ونساء يخافون منها ويخشونها! لأجل ذلك كنت عند عودتي من المدرسة أخرج بسرعة للحقول، متجولاً ومتذكراً ذكريات أبي وحبه لي، في أثناء جولاتي بين الحقول كنت أتسلق النخيل خفية وأسرق الرطب! كنت أفعل ذلك للحصول على كمية أستطيع بيعها لأجل المال! لم أكن أحتاج المال للأكل أو لكي أشتري ثوباً آخر غير الثوب الوحيد الذي أملكه، بل لأجل أن أشتري كتاباً، كنت أسرق! فقد طلبت من جدتي مبلغاً من المال ولكنها رفضت، فاتخذت خطوة سرقة الرطب وجمعها حتى تكون كافية لمقايضة العامل العربي، الذي يوجد عنده الكتاب، وكنت لا أسرق سوى السكري حيث إنه الأغلى!
·· عشقت القراءة بجنون فبعد موت أبي لم يكن لي سوى الكتاب صديق يواسي وحشتي ويؤنس وحدتي، كنت أقرأ الليل طوله وعرضه، مع القراءة والتغلغل في هذه الكتب اكتشفت، رغم كل شيء، رغم اختلاف الأماكن وتباين الأزمنة، واختلاف الأشخاص· أن القصة تدور حول شيء واحد لا يتغير أبداً وهو: قصة أناس فقراء يمتصهم الأغنياء، والأغنياء في طفولتي هم أمي وجدتي وعمتي؛ فكل من ظلمني كنت أراه غنياً لأن الغنى ارتبط في مخيلتي بالقوة! هؤلاء الأغنياء أكثر سعادة وأوفر حظاً في حياة كريمة من الفقراء! اكتشفت أنه في النهاية ينقلب الحال فيتلاشى الغني الذي ملىء قلبه حقداً وكراهية للفقير، عندئذ ينتصر الفقير انتصاراً مجيداً، كنت أتساءل: متى أنتصر على جدتي وعمتي وكذلك أمي، بل متى أنتصر على الوجود بأكمله! وبأكمله تعني الانتصار على المرأة! فكل امرأة مرت في طفولتي كانت تثبت لي أن المرأة أحقر مخلوق وجد على الأرض! فلا أمي تعرف معنى الأمومة، ولا هي سألت عني بعد زواجها، فقد انتقلت إلى مدينة قريبة من قريتنا اسمها الرس، أما جدتي فبسببها كنت أعيش التناقض، فقد فهمت من أحد أصدقائي في المدرسة أن جدته لأبيه تحبه بعكس جدته لأمه! أما أنا فجدتي من أمي لم أرها أبداً، وجدتي لأبي التي أعيش عندها أشعر كثيراً أنها لا تحبني ولا أعلم لماذا! كنت أتساءل دائماً : لما أعيش بينهم كالمنبوذ؟! لا أحد يحبني قط سوى أبي ··
·· ومع كل يوم يمضي تأكدت أن ذكرياتي المغروسة في ذاتي، التي تركت أثراً أليماً في حياتي، وكان هذا الأثر كالإبرة التي تؤلم الجسد كل حين·· تلك الذكريات التي أضفت على حياتي التي قضيتها بين أبي وأمي وجدتي، أقصد ذكريات طفولتي البائسة، أضفت عليها لوناً ممتزجاً بين البياض والسواد وكان الأبيض بسبب طفولة عشتها بجانب أبي، أما الأسود فكان بوجود أمي وجدتي في حياتي! فعند جدتي وبوجود تلك العمة اللعينة، التي فكرت يوماً ما بقتلها، أصبحت الحياة لي في تلك الفترة وكأنها تنمو وتزداد كآبه وألماً، وتتشكل على أشكال لا أعرفها ولا أدرك المعنى الحقيقي لها، كنت لا أظن المستقبل سيكون أفضل مما هو كائن الآن! في تلك الأجواء الغريبة، أجواء الحقد والحسد والظلم واليتم، في تلك الأيام التي عشتها عند جدتي من مراحل حياتي الرئيسية، كانت تلك الليالي وما تحمله لي من ألم وخوف ودموع، هي من شكلت فيَّ حبي العظيم للإنسانية وبداية تكون فلسفة اسمها الإنسان أولاً، وكنت أرى في تلك الفترة أن الإنسان يعني الرجل فقط! أما النساء فقد كنت في طفولتي لا أرى أن هذا الوصف ينطبق عليهن! وأذكر أني كتبت في مذكراتي وأنا ابن الرابعة عشرة: