أنت هنا

قراءة كتاب سارة قصة الحب الخالدة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سارة قصة الحب الخالدة

سارة قصة الحب الخالدة

رواية "سارة" للكاتب السعودي صالح بن ابراهيم السكاكر، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، قد تكون مثالاً واضحًا عن سعي الى الاتيان بجديد على صعيدي الاسلوب والمحتوى لكن الامر يتحول الى عكس ما هو مستهدف ويتحول الى ما يمكن وصفه بانه عبء على الكاتب والقا

الصفحة رقم: 8
 للأسف لم أكن أدرك! لم أكن أدرك أن تلك الكلمات آخر ما سوف أسمعه من أبي، لم أكن أدرك أن بلوغي سن العشر سنوات يعني اختفاء أبي بلا رجعة! لم أكن أدرك أن تلك القصة التي كانت عن غاندي، وكيف استطاع تحرير الهند من الاستعمار البريطاني بالحب، هي آخر قصة أسمعها من لسان أبي! لم أكن أدرك أن تلك الإغماضة لعينيّ أبي هي الإغماضة التي لا يتلوها أي استيقاظ دنيوي! لم أكن أدرك أن تلك الكلمات و النصائح التي قالها أبي ليلة الجمعة؛ وهو يمسك بيديه كتفيّ هي وصية رجل يحتضر! لم أكن أدرك أن آخر كلمة أسمعها من لسانه كانت : طفلي، لم أكن أدرك أي شيء لأني طفل! لم أكن أفهم أي شيء لأني طفل! لم أكن أعلم أي شيء إلا عندما استيقظت على ازدحام وأصوات وصراخ! لو كنت أعلم ذلك! لو كنت أدرك أن ملك الموت كان ثالثنا في تلك الليلة، لو كنت أعلم أنها آخر ساعات أعيشها مع أبي لما أغمضت جفنيّ بل لجلست أتأمله وأتأمله وأتحسس كل جزء منه، ولجلست أُقبل قدميه ورأسه، أُقبل كل جزء منه حتى آخر لحظة، ولكن للأسف لم أكن أدرك ذلك!
 
·· كان منزلنا الصغير مزدحماً بالناس، أولئك الناس لا يعرف بعضهم بعضاً، إنهم غرباء، لا يوجد أي رابط حقيقي بينهم، وحده أبي كان يحب كل شيء، لا يوجد في داخله إلا ذلك الحب الشريف النظيف للإنسانية جمعاء، وحده أبي كان يحب حباً صادقاً، كان يحب الأرض والسماء، الليل والنهار، وحده أبي كان يزرع الأمان في قلوب من يرونه، أما أولئك الناس فقد خفت منهم، خفت من كثرتهم، كرهتهم وكرهت أمي التي لم أرى دموعها في تلك اللحظات، ذهبت باحثاً عن أبي! أين أنت يا أبي؟! ذهبت مسرعاً لجدتي عيناي تقول لها : أين أبي أين هو؟! أين وضعتموه؟! كانت الإجابة ماثلة ومنتصبة في نظراتها : لقد مات، لقد ذهب بلا عوده! عندما رأيت تلك الإجابة ماثلة في عينيها تأكدت فعلاً أن أبي قد مات، قد ذهب ولن يعود، تمنيت في تلك اللحظة أن أظل بعيداً عن هذا الوجود، وألا أسمع أي شيء سوى كلمات أبي، وألا أفعل أي شيء غير أن أضغط بيديّ على قدميه، تمنيت أن أكون بعيداً عن الناس في مكان لا صوت فيه ولا نحيب، لا شيء هنالك، بعيداً عن رائحة حقول النخيل، بعيداً جدا وأظل أتأمل الحياة الحزينة الطافية على شاطئ حياتي وواقعي ·· ·
 
·· جلست هنالك في المكان البعيد عن أنظار البشر، والزمان البعيد عن كل الأوقات، جلست هنالك أبكي لعل الله يرحمني ويجعلني أعود فأرى أبي كما لو أنه لم يمت! مرت ساعات وأنا بعيد، بعدها رجعت للمنزل أنادي : أين وضعتم أبي، أحتاج أبي أنا، أين هو أبي؟! وفجأة صرخت أمي قائلة: إنه في المقبرة، كنا نبحث عنك لقد دفنوه! صرخت: لماذا، لماذا دفنتموه قبل أن أراه، قبل أن أقبل قدميه، قبل أن أشم رائحته، لماذا لماذا؟! توجهت بسرعة للمقبرة، هنالك ذهبت، هنالك وقفت، هنالك تأملت، هنالك بكيت، هنالك تألمت، هنالك لم أكن أفهم شيئاً، كان في جيبي تمرة أعطاني إياها أبي في الليلة الماضية، تمرة أخرجتها وبدأت أحفر القبر! ووضعتها داخل القبر! أحسست بأن أبي جائع! وكذلك كنت أعرف حبه الشديد للتمر! كنت أكذب على ذاتي، كنت أتخيل أنه نائم في البر كما يحب هو ذلك! لقد كنت مجرد طفل يتألم!
 
·· قمت من على القبر وبدأت أدور وأدور في مكاني، جلست أتأمل في ذلك العالم الحقير، ذلك الوجود الذي يحيط بي، أتأمل والقبور من حولي، طفل والقبور عن شماله ويمينه، طفل وأمامه قبر أبيه، طفل كنت أنا، جلست أتأمل ذلك العالم بكل تركيز، أيقنت وأنا طفل في مقبرة وحولي آلاف القبور، آلاف الرجال، آلاف النساء، آلاف الأغنياء، آلاف الفقراء، أو لنقل عشرات الأغنياء وآلاف آلاف الفقراء، ألوف وألوف من كل جنس ونوع، أيقنت هنالك بأن وجود الإنسان على هذا الكوكب أكبر تفاهة!كنت أتأمل هذا الحقير المدعو: العالم! وإذ بصوت قادم لا أدري هل أحد الأموات قد عادت له الحياة حتى يصرخ في روحي قائلاً :
 
- كفى! كفى صياحاً! كفى بكاء! كفى دموعاً! كفى يا طفلي كفى!أمسك تلابيب نفسك! ارحم روحك! لا بد لكل إنسان أن يموت، حتى النخيل تموت! حتى النخيل تموت ·· ·
 
·· هربت مسرعاً للمنزل، كانت أمي تقرقر مع إحدى النساء، أما جدتي فكانت سارحة نحو مكان ما لعلها تتساءل: متى يحين دوري! تركتهم جميعاً، توجهت مسرعاً لا أدري ماذا كانت إرادتي تريدني أن أفعل، فقد هربت بشكل سريع صوب ذلك المكان الذي آمنت أنه أجمل وأهم مكان أحبه أبي، توجهت مسرعاً نحو تلك الأرفف وبدأت، وأنا ابن العشر سنوات، أتأمل تلك الأرفف الممتلئة بالكتب، أتأملها وكأني أتأمل أبي العظيم، أيقنت وأنا أمام تلك الكتب أنه لم يبق لي سواها، ولن يحبني سواها، ولن يهتم بي غيرها، بدأت أتحسس تلك الكتب وكأني أتحسس قلب أبي، بدأت دموعي تتساقط، خرجت مسرعاً لأمي، قلت لها : كتب أبي لي · ردت قائلة : خذها وإذا لم ترغب بها فسأحرقها!! كرهتها!! لأنها عاشت اثنتي عشرة سنة مع أبي ولم تعرف معنى حبه لهذه الأوراق! كرهتها وكرهت المجتمع الذي سيظل لا يدرك قيمة ومعنى حب الإنسان للقراءة والكتب، كرهت المجتمع الذي يريد أن يظل عاشق القلم، عاشق الأوراق، عاشق الأدب، يحيا فقره وخوفه واضطرابه؛ لأننا في مجتمع لا يفهم ولا يدرك قيمة حب القلم!
 
·· في آخر يوم من عدتها قالت لي أمي :
 
- سأتزوج يا وليد وأنت ستعيش عند جدتك، فهذا المنزل ليس ملكنا، يجب تسليمه لمالك المزرعة!
 
·· سكت متأملاً كلماتها، كنت أريد وأرغب بأن أقول لها : أرجوكِ لا تتزوجي، سأعمل سأحفر الصخر حتى أكسوكِ وأطعمكِ، سأعمل كل شيء لكن أرجوكِ لا تتزوجي! ولكني لم أستطع إخراج ما كان يعيش في قلبي، كيف أقول لها ذلك وهي من قالت لأبي : طلقني!! كيف أطلب منها البقاء معي وأنا لا أرى أي فعل منها يحسسني بحبها لي! كيف! تركتها ولم أرد على ما قالته، فقد كنت موقناً قبل أن تتحدث بأنها ستتركني وحيداً كما كانت من قبل ·· 

الصفحات