تأتي رواية" بغداد مالبورو"، لتشكل المنجز السادس في سياق المدونة السردية الروائية التي أبدعها الروائي العراقي المتميز نجم والي.
أنت هنا
قراءة كتاب بغداد مالبورو
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
بداية الطريق: في مكان ما الآن
كلما نظرت إلى جواز السفر الذي أحمله، إلى الاسم الذي فيه وتاريخ الميلاد، تذكرت دانييل بروكس· فحتى يوم ظهوره هكذا فجأة، لم أظن يوماً أن حياتي ستنقلب بهذا الشكل العنيف على عقب، وعلى يد رجل غريب مثله قادم من البعيد· حدث ذلك قبل سبع سنوات في بغداد؛ وهي أصعب السنوات التي عاشتها المدينة، إن لم تكن أكثرها خطورة في تاريخها الطويل· في الحقيقة كلما عدت بالقصة إلى الوراء فكرت بغرابتها، ولو لم تحدث لي أنا بالذات لما صدقت أنها حدثت فعلاً أو أنها جرت في مدينة مثل مدينة بغداد، أو أن اثنين مثلنا، رغم كل ما جرى لهما في الحياة، كان لابد لهما أن يلتقيا، من غير المهم أنهما عاشا وقد فصلتهما عن بعض بلدان وبحار ومحيطات· هو الذي وُلد في نيوأورلينز في ولاية لوزيانا، عند ضفاف نهر المسيسيبي، ونشأ في حي كوينز في نيويورك، وأنا الذي وُلدت في مدينة صغيرة على ضفاف نهر الفرات غرب العراق ونشأت لاحقاً على ضفاف دجلة في بغداد· اليوم يبدو كل شيء حقيقياً، حتى اسمي المزيف وأوراقي الجديدة، مكان الإقامة الجديد، والبلد الذي اخترته صدفة، وتحول بمثابة بلد لي بعد طواف طويل ودوران في بلدان مختلفة من العالم قرابة ثلاث سنوات، لكن في ذلك الوقت، عندما كنت ما كنت عليه بدا لي الأمر مختلفاً، أمر لم أفكر بمنحه تعريفاً معيناً بدأ وانتهى بالطريقة نفسها· تركته يسري على طبيعته· في أحسن الأحوال، ربما ظننت أنها الصدفة وحدها التي قادت ذلك الرجل إلي أو في أسوأ الأحوال أن أحدهم أرسله إلي لكي يلحق بي ما يمكن من أضرار، لكن أن يكون الرجل هذا جاء للبحث عني منذ وصوله إلى بغداد فهذا ما لم أفكر به أبداً· من أين كان لي أن أعرف، أن رجلاً يسكن بعيداً عني آلاف الكيلومترات، انتظر الفرصة السانحة طوال هذه السنوات لكي يلتقي بي· ربما بدا الأمر له أقرب الى المعجزة، أو ربما نسي الأمر مع مرور الزمن، لكن عندما أُعلنت الحرب (أية حرب؟) ودخل الجيش الأميركي إلى بغداد في 9 أبريل 2003، تذكر الرجل وقال لنفسه، ها هي الفرصة قد حانت، لا بد لي من السفر إلى العاصمة العراقية للبحث عن رجلي المطلوب· من دون أن يدري، أنه في اللحظة التي سيزوره فيها سيتبدل رجله هذا، سيتغير وسيعيش حياة جديدة بعد ذلك اليوم التاريخي الذي سيطرق فيه عليه بابه· صحيح أنني لست الوحيد الذي حصل له هذا التبدل، العراقيون أيضاً، بل حتى الأميركان، كلهم تبدلوا بعد ذلك التاريخ· لكن لو كان أمامي ميزان الآن، لوضعت دخول الأميركان في كفة، وما حدث لي بعد تعرفي على دانييل بروكس في كفة أخرى· نعم آلاف العراقيين، بل الملايين منهم غيروا أسماءهم بعد ذلك التاريخ، خوفاً من الملاحقة أو كما فعلوا على عادتهم عندما تكيفوا مع كل زمن جديد· بعضهم هاجر والبعض الآخر ظل مقيماً، لكن الذي تغير عندي: حياتي· نعم حياتي كلها· لا أريد القول إن الحياة التي أعيشها الآن خطأ، وإن التي قبلها كانت صحيحة، أو العكس، بل لكي تعرف أن الشخص الذي يروي لك القصة الآن هو غير الشخص الذي كان عليه في يوم دخل إلى حياته دانييل بروكس· ليس لأن كُلٌ منا لن يكون هو نفسه في زمانين ومكانين مختلفين وحسب، بل أكثر من ذلك بكثير· لكنني الآن، وكلما فكرت بحياتي وما جرى لها، توقفت عند صورة واحدة: مدينة بغداد ودانييل بروكس·