أنت هنا

قراءة كتاب القطيعة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
القطيعة

القطيعة

تمثل رواية "القطيعة" للروائي السوري خليل النعيمي مرحلة مغايرة في الرواية العربيّة المعاصرة، لا تكتب للحكي، أو لتصف أو لتسلّي أو لتعظ أو حتّى لتنتقد، بل لتنقض وتهدم وتسعى لتحقيق تغيير جذريّ، وقطيعة مع كلّ ما هو سائد في الرواية والفكر والقيمة والبنية الأدبيّة

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2
 آوى والحُصَيْنيّات وآل -العجيب مأوى العمال والدلالين والمتواطئين والمتوترين وبعض البدو والحشرات وبنات "غويران" (2) وآلات الحرث المزتوتة وأكوام الزبل المرمية وحُفَر الماء والأحجار والأشجار المنخورة والحشيش· به، تتجاور مقالع الجِثّان التي انبنت منها الحسكة، بيتاً بعد بيت· وعلى وجهه المحفور، تتراصف محارق الجِصّ والسماد· وتنتشر في أنحائه مساطب البُرْغل والعتاد· وهنا وهناك، تتكدس فيه القمامة· قمامة المدينة المضيئة، لصقه، في الشمال: الحسكة الغبراء، ذات المدى الشاسع والنهرين، آه! يا ليل يا عين: من هنا الجَغْجَغْ ومن هنا آلخابور! ومن لا يصدق يثور
 
بلى؟ الحُفُر والقمامه واللمامة والماء، تلك هي مكوناته، وعوامل جذبه للنسوة العابرات· نسوة الاقتراب والانتصاب· حَمَّالات الحطب· مَصَّاصات القصب· أَوّاهات البَطْحة· الممددات ظهراً وبطناً وعلى الأجناب· والحنطة تعلو فوقهن: حنطة صفراء ذهبية تميل مع النعماء حيث تميل· حنطة ابن جليوى حنطة ابن الكلب: الحنطة العتيدة التي يخترقها الدرب الضيق، والذي يضيق عاماً بعد عام· تغزوه سنابلها المتوحشة المجنونة· تلك السنابل الطويلة الميَّالة التي تغشي الأبصار، وتخفي الكون عن الأنظار· الكون اللَّبِق والشبِق، الذي نمر فيه جسداً فوق جسد، والذي، في فضائه الممتد حتى النهر تتمدد السمراء· تتمدد هَوىً وخجلاً ولهفة واضطراباً· تتمدد وفي عينيها اللامعتين تنعكس سماء الجزيرة الزرقاء· الزرقاء حتى الموت· تنعكس فيهما، أيضاً،  حركات زنديها الطويلين وهما يَشْهَلان الثوب· يُشَمِّران عن الجسد الأزرق المشدود· يكشفان وركيها الفَحْلين المنقذقين كالرماح· يعريان الفخدين والعانة والرمانة والجفر·
 
تكشف ولا تنكشف! تسترها الحنطة الحانية· الحنطة الملعونة التي تعلو القاع والرقاع، والتي يسقط الشهيق فيها على الشهيق· ولا أعود أفيق· وَتْحمَرُّ الحنطة· وَتْصفَرُّ· واللهاث اللحوح، منها، يتلو الهاث: لا تُفوِّتْهُ بي دخيلك، لا تُفوِّتْهُ· وأُفوِّته· ويُحول الحَوْل على الحنطة· وتغدو السنابل، منها، هشيماً: بعد اخضرارها الداكن يملأ اصفرارها الباهت الفضاء· يملؤه، ويغريه· يُميته ويُحْييه· ومن جديد، يتَسَلْحَبُ الخابور ماسحاً رأس العين نابعاً منها· فائضاً عنها· ومن جديد أيضاً، أمسك العود المنتج· أفركه بقوة على المبيت· ولا أعود أسمع إلا النهيت: فَوِّتْهُ بي، دخيلك، فَوِّتْهُ· فَوِّتْهُ· وأفوته· وتتلامس السنابل الحُمْر الصُفْر المشحونة· تتلامس عميقاً· وتُلامس أهدابها الشفراوية ظهري العاري· تحكني في البشرة حَكّاً· حَكّا! ورهبة، أنقُزُ· أمسّ العالم دفعة وبلا اطمئنان· عضلات صلبي تتقلص مثل أفخاذ الفئران النازية تواً· والسؤال يتلو السؤال: الحنطة حنطتكم؟ لا· أحنا حواصيدها·· حواصيدها؟! وتقفز كالظبي الذي رأى الصياد· تقفز وهي تدفعني بعيداً عنها· 

الصفحات