أنت هنا

قراءة كتاب القطيعة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
القطيعة

القطيعة

تمثل رواية "القطيعة" للروائي السوري خليل النعيمي مرحلة مغايرة في الرواية العربيّة المعاصرة، لا تكتب للحكي، أو لتصف أو لتسلّي أو لتعظ أو حتّى لتنتقد، بل لتنقض وتهدم وتسعى لتحقيق تغيير جذريّ، وقطيعة مع كلّ ما هو سائد في الرواية والفكر والقيمة والبنية الأدبيّة

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
وكالهالك، يردُّ الجسد نفسه إلى الماء· وأحس تَكَسُّرات أطرافه المذعورة تدفع الموج، دفعاً، تنأى· تنأى سراباً بعد سراب· وعلى القاع المنكرة اليابسة يسقط الرأس مني صريعاً· وسريعاً، يملأ غبار الوهن جذعي حتى الموت· ويصير الخابور شريطاً فضياً غائماً، لا ماهية له ولا إسناد· الخابور الجائف· خابور ابن جليوي، خابور ابن الكلب·
 
ابن جليوي(4) يروي زرعه من الخابور· من الخابور يسقي طَرْشَه وحَلاله وحَرامه· للناس يبيع ماء الخابور بيعاً· وهو، أيضاً، يُحوِّلُ ماء الخابور إلى أشياء! يحوِّلها إلى ألوان· إلى أصباغ· إلى ثلج· إلى بوظة· إلى كازوز· إلى سبيرتو· إلى كحول· إلى حنطة· إلى شعير· إلى مَغَر· إلى دُهون· إلى فجل· إلى شوفان· إلى عدس· إلى شوربا· إلى مَرَق· آه! إلى مَرَق المرق· المرق الدهين الفضّي اللمّاع المفَلْفَل المُبَهَّر المُبَخَّر باستمرار· مَرَق روح الدجاج والبصل والقراص· ذلك كله: الماء! الماء المنشور، أو الماء المنثور، الماء المَعبّأ أو الماء المخبّأ· الـماء في قدور· في أحواض· في زجاجات· زجاجات طويلة· مربعة· مستديرة· مضلعة· ذات حنايا أو زوايا· أو بلا أركان· زجاجات قعورها نازلة، أو مرفوعة· قواعدها بارزة أو خفية· عنقها طويل أو قصير أو لا عنق لها على الإطلاق· لكل كائن مشروبه· لكل مشروب وعاؤه· لكل وعاء شكله· والكل ماء! ماء يحوي ماء، يحوي ماء· ومَنْ يملكُ شيئاً يشتري به الماء؟ ماء الخابور الداشر في الفضاء·
 
آه! عباس لا زال يَثْوي في الزاوية· يثوي، بانتظار كأس الشاي الساخن الذي لن يراه· حلقه ناشف من الهرب والاغتراب· وكما كل ليل، دَلَف الليلة، منتظراً ذلك السائل الأصفر الحار، المخلوط بالقرفة والبهار، المحلى بمصل السكر والزبيب: السائل المريب! الذي يتجرَّعُه جرعة جرعة وهو يدندن أغنياته العذبة المجروحة· أغنيات الوجع والحب والعتاب· وكما كل ليل، تنحنح الليلة، أيضاً، مذكراً رَبْعَهُ بوجوده الملتَمّ، والطلب يلحق الطلب: ما تغني يا عباس؟!
 
وفعلاً، يصير يدمدم· والدمدمة تغدو همهمة· وشيئاً فشيئاً يرتقي الكلام· ينطلق الحس· يُدوَيّ الرواق· ويجتمع العشاق، مثل السكارى، مع العشاق· ويظل، من حين إلى آخر، يهتف، عباس: آه على كأس شاي ساخن أُزَيّتُ به حلقي، آه! والشاي لا يجيء· هذا المساء لا يجيء الشاي· ومع ذلك، يظل الكلام ينبثق مثل طلق الرشاريش: كلام يشق الحلق· يباغت الرأس· يخرج من جوف عابس ملتاع· ومثل الشرر الذي يُنبيء بالحريق، ينبىء الكلام باللوَّعْ والاحتراق· يملأ الليل اضطراباً· الليل القديم الجديد: ليل الحَسَكَة المستمر· وبهدوء، يتناوش عباس القمر الأبيض الصافي الذي يرى ساكناً في أعالي الهضاب· 

الصفحات