رواية "تحولات" للكاتب الكردي العراقي زهدي الداوودي، نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب تحولات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
تحولات
الصفحة رقم: 2
كنت أسكن معه في الغرفة نفسها بموافقة الطبيب، كي أساعده في تحريك أعضائه، ولا سيما الساقين المصابتين بالشلل· ذهبت إليه قبل أن أغسل وجهي· كان لا يزال ينظر إلى السقف بعينين جامدتين· كنت قد سمعت بأن الإنسان يموت بعينين مفتوحتين، ولكن هذه الحقيقة لم تقنعني بأنه ميت فعلا· ضبطت أعصابي بشكل غريب، وذهبت باتجاه غرفة الممرضات· قابلت في الممر الدكتور رضا، نظر إلي بشكل غريب كما لو أنه يريد أن يقرأ ما في داخلي· سألني عن صحة والدي، قلت له بأن حالته غريبة لا أفهمها· تقلصت ملامح وجهه وهرع إلى الغرفة، وأنا وراءه مثل ظله· انحنى على السرير يدقق في وجهه، وسرعان ما مد يده إلى عينيه كي يغمضهما بحركة بارعة، ورفع يده اليسرى ليتفحص جلد ظاهرها، ثم التفت إلي بهدوء ووجه حزين ليقول بصوت متهدج:
لقد فارق الحياة· إنا لله وإنا اليه راجعون·
أحسست بأعصابي قد تجمدت وجفت الدموع في عيني، غصة ما في حنجرتي كادت تخنقني· هزتني موجة بكاء، بيد أن هاتفا من داخلي نبهني أن أكون رجلا، فاختنقت في حلقي· وعلمت بأن هذه هي المرة الأولى في حياتي أواجه فيها ما يسمى بضبط النفس· قبل أن يترك الطبيب الغرفة، غطى وجه والدي الذي لم أقتنع بأنه فارق الحياة، وطلب مني أن أتابعه إلى غرفته لإجراء الأمور الروتينية· في الردهة قابلت عمي وبعض الأقارب الذين جاؤوا للزيارة، إذ ذاك لم أذهب مع الطبيب، بل رجعت إلى الغرفة، إذ إن أحد الأقارب تولى مهمة الذهاب مع الطبيب· أزاح عمي الغطاء عن وجه أبي وراح يعانقه بقوة وهو يجهش بالبكاء، لم يتمكن الآخرون من ضبط أعصابهم، حيث أجهش كل واحد منهم بطريقته الخاصة في البكاء· أردت أن أنصحهم بأن المكان لايناسب ذلك، بيد أن الغصة المستعصية في حنجرتي حالت دون ذلك، إذ إن أقل كلام مني كان سيدفعني أنا الآخر إلى أن أجهش في بكاء مر· رجع القريب الذي رافق الطبيب إلى غرفته بسرعة وبيده بعض الأوراق، إذ ذاك عرفت بأن مهمتي قد انتهت· عانقني عمي وقال إنك أديت واجبك كأي رجل· ورجعنا إلى قصبتنا بسيارتي تاكسي، فيما وضع النعش على سقف إحداهما دون أن أعرف من الذي دفع الأجر· كان بعض الأقارب قد وقف في مدخل القصبة والبعض الآخر أمام باب بيتنا، بانتظارنا· يبدو أن خبر الموت قد وصلهم بطريقة ما، ربما عن طريق المخابرة التلفونية، ولا أدري من الذي قام بالمهمة· وفي فترة قصيرة جدا اشتد الزحام فيها سواء في داخل بيتنا أو خارجه، وأحسست بأنني أضيع فيه· كانت والدتي الحامل، حزينة متماسكة الأعصاب، لم أجدها تبكي إلا بعد أن بدأت مجموعة من النساء بالنحيب والعويل· لا أدري أين تم غسل الجثة والتكفين اللذين لم يستغرقا وقتا طويلا، وبدا لي أن العم قادر الذي لم تكف عيناه من ذرف الدموع، هو الذي كان يشرف على ذلك، إذ بعد عثوره علي في الزحام، مسك يدي بعد أن عانقني قائلا بأننا يجب أن نرافق الجنازة، التي ظهرت أمامي فجأة، إلى المقبرة· وظل يرافقني مطوقا عنقي بذراعه اليمنى·