أنت هنا

قراءة كتاب تحولات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تحولات

تحولات

رواية "تحولات" للكاتب الكردي العراقي زهدي الداوودي، نقرأ منها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6
كنت أشبه مصعوقا لا يفقه شيئا مما يحيط به، ولا يصدق مايجري أمام عينيه· رجل واحد فقط تخلف عن الجماعة وهو العم قادر، الذي قال بصوت حزين: أنت رجل يا زوراب، هيا لنذهب إلى البيت، إنك يجب أن تسد الفراغ الذي تركه المرحوم والدك ولا تخذل روحه التي صعدت إلى السماء· ثم جاء قريب آخر، كان قد نزح من الريف إلى المدينة وراح يمدح والدي بشكل غريب· عرفت أنه ينافق، لأنني كنت متأكدا من أنه لا يصدق كلامه هو، وكنت أعرف أيضا بأنه لا ينافقني أنا، لأنني كنت لا شيء بالنسبة له، ولذلك جاء نفاقه كرد فعل تلقائي نتيجة مواجهته للموت، إذ إنه لا شك فكر في مصيره هو فكان نفاقه تكفيرا لذنوبه التي أراد أن يتخلص منها في هذه المناسبة المفزعة التي ذكرته بالجحيم، إذ إن التفكير في الآخرة أو الموت لا يصاحب المرء إلا في هذه المناسبات التي تأتي بصورة فجائية ومن حين لآخر· وعرفت فيما بعد، بعد التفكير العميق في سبب هذا النفاق، بأن ثمت تأنيب ضمير دفع لسان الرجل للإفصاح عن المديح، الذي لا شك كان الميت يفرح به لو سمعه قبل مفارقته للحياة· وأكد عليّ الرجل هو الآخر بأن أسد الفراغ الذى تركه أبي· هكذا إذن أصبحت بين عشية وضحاها رجلا بعد أن كنت صبيا مراهقا· علي إذن أن أسد الفراغ الذي تركه أبي، ولكن كيف؟ وهل يمكن لإنسان ما أن يسد الفراغ الذي يتركه غيره؟ هل هذا يعني أن أكون أبا للعائلة التي فقدت ربها؟·· إذا كان القدر قد حتم علي أن أكون كذلك، فلأكن· ولكن ما هي وسائلي في تحقيق ذلك؟
 
لم يبق أحد من الأقارب ومن أصدقاء والدي دون أن يسدي لي النصيحة اللازمة كي أكون رجلا وأسد الفراغ الذي تركه، ولكن أي واحد منهم لم يتطوع كي يشرح لي كيف؟ سوى العم قادر الذي نصحني أن أهتم بدروسي، وأنهي الدراسة بنجاح كما فعل أبي·
 
ورحت لا أطيق سماع أي نصيحة· كانوا إذ يسدون لي النصيحة، ينظرون إلي بشيء من العطف، كما لو أنني نعجة بين يدي قصاب· وكنت أعرف من خلال بريق عيونهم، أنهم غير مقتنعين بأن هذا الصبي الصامت سوف يسد الفراغ الذي تركه أبوه·
 
رافقني قادر إلى البيت الذي امتلأ بالنساء المولولات اللواتي كن يمثلن أكثر من أن يبدين حزنهن على الميت· وانتقلت عدوى البكاء المر إلى إخواني الصغار الذين لا يعرفون شيئا عن حقيقة الموت، الذي حولهم بين عشية وضحاها إلى يتامى· هناك لم أتمكن من السيطرة على الغصة المستعصية في حنجرتي، فهرعت إلى غرفتي كي أستغرق لوحدي في البكاء العميق·

الصفحات