كتاب "الربيع الأسود ثورة أم ظاهرة أم فصل جديد من فصول تجفيف الأمة؟"؛ إصدار فكري وسياسي للكاتب الإماراتي عبدالعزيز خليل المطوع.
أنت هنا
قراءة كتاب الربيع الأسود
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
السطور الأولى
مع بداية انقشاع سُحيباتٍ من دخان الحرب الأمريكية على العراق، وعلى طبقةٍ شديدة الرقة من الرماد الذي كان يكسو جمر البركان أو البيت السياسي العراقي المتوقد بالأحقاد والثارات القديمة والحسابات التي لم تنتهِ عمليات تصفيتها إلى اليوم، بدأت بعض الآليات العسكرية الأمريكية تشق طريق عودتها، في مشهدٍ تمثيليٍّ لا يخلو من الكذب السياسي والتكتيكي والإعلامي، وبدأت معها أنظار العالم تتجه إلى المحطة أو الضحية التالية للمجنزرة العسكرية الأمريكية وحلفائها؛ في هذا التوقيت المتوتر، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية سراح أجندتها الشرق أوسطيةٍ الجديدة تحت مسمى: الفوضى الخلاقة أو الفوضى المنظمة، وواكب هذا الإطلاق الجريء تسريباتٌ معلوماتيةٌ من مصادر غير رسميةٍ أو مقربةٍ من الرسمية، وكلها كانت تتحدث عن خارطةٍ جديدةٍ ودراماتيكيةٍ للشرق الأوسط المعذب، منذ خريطته الكاريكاتيرية المحنطة طبقًا للوصفة البريطانية الفرنسية التي بدأ مفعولها بسقوط دولة الخلافة العثمانية عُقيب انتهاء الحرب العالمية الأولى؛ ومع ذلك الإطلاق المثير والمزعج والوقح، إلا أن الشعوب العربية وأنظمتها السياسية لم تضع يديها على قلبها رعبًا من هول الزلزال القادم، بل إن القليلين جدّاً من المراقبين السياسيين هم الذين حاولوا استباق الأحداث بمحاولة رسم تصورٍ أو وضع توقُّعٍ منطقيٍّ أو تصميم سيناريوهاتٍ لشكل هذا التغيير الرهيب الذي سيكتسح أرض الواقع العربي الرخو والمتبلد، أو حاولوا التفكير في كيفية وقوعه؛ وفي ظروف ندرة المعلومات المتاحة، وغموض المصطلحات المستخدمة في عَنوَنة الأجندة السياسية المصاغة بطريقة شعارات العمليات العسكرية والبوليسية والاستخباراتية، كانت الأسئلة الحائرة أكثر من الإجابات المقنعة؛
فكان من أبرز الأسئلة المطروحة: من الذي يجرؤ على إحداث فوضىً ولو كانت منظمةً أو خلاقةً في منطقة الأسد الأمريكي الشرس، والمزروعة بعشرات القواعد العسكرية، وبعشرات الأنظمة السياسية الحارسة لمصالح القطب الأوحد؟؛
وكان من أهم الأسئلة المطروحة: وإذا حدثت تلك الفوضى، فكيف ستنجح أمريكا في إعادة النظام إليها، أو كيف ستنجح في إعادة صياغة (خلق) نظامٍ جديدٍ؟ (هذا بدون الدخول في التفاصيل الإيديولوجية والفكرية والاستراتيجية للنظام البديل القادم)·
وكان جميع المراقبين تقريبًا يراهنون على صعوبة، بل استحالة، حدوث مثل هذا التغيير الأشبه باللغز أو بالكوميديا التاريخية، ولو كانت أمريكا بِهيْلها وهيلمانها هي التي تريده وتخطط من أجله وتنتظر حصاد نتائجه، وذلك لأن مشاعر الكراهية التي عملت أمريكا عقودًا من الزمن على زرعها واستنباتها وتغذيتها وتأجيجها في تربة الوجدان الشعبي العربي، من خلال مواقفها المؤيدة لإسرائيل، ومن خلال حمايتها ومساندتها وتوجيهها للأنظمة السياسية المستبدة التي غرستها في الأرض العربية لتحكم شعوبها بالحديد والنار، وبالكبت السياسي والتخلف الحضاري؛ كل تلك الاعتبارات لا تساعد أمريكا على الحصول على التأييد والقبول الشعبي لمخططاتها التغييرية التي تعتمد في الأساس على مثل هذا التأييد والتقبل، ولو كانت مرتهنةً بإزالة عروش الأنظمة القمعية والاستبدادية وبإسقاط الآلهة والطغاة المتربعين عليها·