كتاب "الربيع الأسود ثورة أم ظاهرة أم فصل جديد من فصول تجفيف الأمة؟"؛ إصدار فكري وسياسي للكاتب الإماراتي عبدالعزيز خليل المطوع.
أنت هنا
قراءة كتاب الربيع الأسود
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
القليلون الذين توقعوا وقوع الصاعقة التغييرية(1)، جميعهم كانوا ينتظرون طبول الحرب، وينتظرون أزيز رصاص الحلول العسكرية الأمريكية، ولكن أمريكا المختلفة في كل شيءٍ، لا تتوقف عن مفاجأة الجميع، فكانت شرارة البداية محمولةً على عربة خضراواتٍ يجرها ويرتزق منها شابٌّ جامعيٌّ تونسيٌّ مغمورٌ وعاطلٌ عن العمل، فكان أن تلقى هذا الشاب البائس الهارب إلى رصيف واقعه المرير صفعةً مؤلمةً من شُرطيةٍ، أي من امرأةٍ، مع أن العالم العربي والإسلامي بأكمله متهمٌ بحرمان المرأة من حقوقها ومن عدم مساواتها مع الرجل، ولكن الأنظمة العلمانية ونشطاء المجتمع المدني والتنويريين والحداثيين وجهود منظمات الأمم المتحدة الأنثوية لإعادة الحقوق إلى المرأة ومساواتها بالرجل، كل أولئك جعلوا امرأةً تصفع رجلاً فحلاً، فكانت الحرارة المتولدة من تلك الصفعة الإذلالية كافيةً، لا لإشعال نارٍ في جسد الشاب المقهور ليموت منتحرًا حرقًا، بل لإشعال ثورةٍ شعبيةٍ عارمةٍ، وللإطاحة بطاغيةٍ عنيدٍ من أعتى طغاة العصر الحديث، ولإسقاط واحدٍ من أضخم أصنام الهيكل الوثني الذي يقوم عليه النظام السياسي الحاكم في الوطن العربي·
هكذا سقط رمزٌ من رموز الطغيان والتخلف والفساد، ولكن هذا السقوط المفاجئ لم تصنعه الإرادة الشعبية الباهتة والهيجان الشعبي الخجول وغير المنظم وغير المقنِع وحدهما، بل كان الموقف والقرار السياسي الأمريكي والأوروبي المؤازرين للجماهير التي أقامت طقوس تلك المظاهر التظاهرية عاملين شديدي المساعدة في إعطاء إشارة الإجازة للتغيير، فانتقل حراس النظام الأمناء الأخلاء بطريقةٍ أوتوماتيكيةٍ إلى الجهة المقابلة، وقام الجيش التونسي بتهريب الإله المترنح بطريقةٍ لا تُفسَّر ضمنيّاً إلا أنها إنهاءٌ لعهدٍ سياسيٍّ بائدٍ، وابتداءٌ لعهدٍ سياسيٍّ جديدٍ غامضٍ؛ وهكذا، وبين عشيةٍ وضحاها، وكما خططت أمريكا وتوقعَت، تناست الجماهير العربية ملامح الوحش الأمريكي المتعجرف الدموي البغيض الذي كان وما يزال واقفًا في الخندق الإسرائيلي بدعمه اللامحدود سياسيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً وفيتويّاً، وتناست ملامح الوحش الأمريكي الذي أباد مئات الآلاف من العراقيين والأفغان والصوماليين، وتناست ملامح الوحش الأمريكي الذي دبَّر للعالمين العربي والإسلامي مئات المؤامرات والمخططات لإبقاء المنطقة العربية والإسلامية مجرد محطة استراحةٍ لقواعده العسكرية ولمصالح شركاته العابرة للقارات؛ وهكذا أصبحت أمريكا، بقليلٍ من البهلوانيات السياسية والإعلامية، بالنسبة للجماهير المغيبة عن الوعي والمثقوبة الذاكرة والمستجدة في حضانة الحرية، هي المنقذة وهي نصيرة الشعوب المغلوبة على أمرها، بل وتحوّل غول الفوضى المنتظرة الذي بشّرت به أمريكا إلى حيوانٍ داجنٍ يرحب به الجميع، والجميع يحاول أن يقتنيه، وأن يعمل على إيوائه؛ وبذلك تكون أمريكا، وبضربةٍ واحدةٍ فقط، قد تمكنت من وضع إجابةٍ مدهشةٍ ومنطقيةٍ ومقبولةٍ ومقنعةٍ لأكثر الأسئلة والألغاز صعوبةً، وهكذا وضع مسلسل الفوضى الخلاقة أو مسلسل الربيع العربي وهما اسمان لشيءٍ واحدٍ حبل الثورة على الجرّار، وبدأت السقوطات المدوية تتوالى·