كتاب "الربيع الأسود ثورة أم ظاهرة أم فصل جديد من فصول تجفيف الأمة؟"؛ إصدار فكري وسياسي للكاتب الإماراتي عبدالعزيز خليل المطوع.
أنت هنا
قراءة كتاب الربيع الأسود
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
1· الجبهة العربية في استرخاءة السلام
في هذه الأجواء المتوترة والساخنة، اعتادت النخبة العربية، وهي تحت تأثير عقدة جلد الذات وتأنيب الضمير أن تعتبر الأمة أصفارًا على الخريطة السياسية والحضارية العالمية، وأن تؤمن تمامًا بأن ما يحدث لها هو بالكامل استحقاقٌ قَدَريٌّ عليها، وثمنٌ بسيطٌ لأخطائها التاريخية والإيديولوجية الشنيعة التي لا تُغتفَر، وأن الدول العظمى، هي عظمى بمنجزاتها الحضارية وبمواقعها الجغرافية فقط، وليس بأحجامها الاستراتيجية التي بلغتها بابتلاع الآخرين جغرافيّاً واقتصاديّاً وثقافيّاً؛ أما الجماهير العربية فقد اعتادت وهي تحت تأثير عقدة كراهية الاعتراف بالنقص، وأسلوب التفكير السطحي والعاطفي، أن تتناسى إجراء المراجعات وتحليل الأخطاء ونقاط الضعف وجوانب القصور والخلل، وتكتفي بأن تصبّ لعناتها أو تشير بأصابع الاتهام إلى رموز الإرهاب العالمي الحقيقي أو الفعّال: الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا وأولمرت وكوندوليزا رايس وجورج بوش وبلير، ومعهم قائمةٌ طويلةٌ من الدول والأشخاص التي لم تنجح الأمة العربية إلى الآن، لا بتأنيب الضمير ولا باللعنات، في استدرار عطفها السياسي أو في إقناعها بتبني قضيتها أو في إغرائها بحل أزماتها التقنية والمعرفية والاقتصادية، أو حتى في لفت انتباهها إلى استشعار خطورة عدوها الحقيقي، ليس على سلام الأمة وأمانها فحسب، بل على السلام العالمي بكامله·
أما بين صولة الحرب والصولة التي تليها، عندما يسكت صوت الرصاص ويهدأ غضب المدافع، وتتوقف القنابل الانشطارية والعنقودية والمشبعة عن حصد الأرواح وتدمير المنشآت، فإن الصمت يعود ثانيةً إلى سوق الكلمة العربية، إلا من المزيد من الهذيان الفكري والابتذال الإعلامي والمزيد من الانطفاء الثقافي والمزيد من التخلف العلمي، وكأن العرب يلملمون بذلك عارهم، ويتجرعون مرارة هزيمتهم، ويلعقون جراحاتهم، ويحلمون بأمنيات السلام الموهوم، ويلوذون إلى الجناب الإلهي- الذي لا يعرفونه إلا عند الشدائد والهزائم والنكسات- متضرعين إليه بأن يجعل تلك الجولة الخاسرة هي آخر أحزانهم وآخر عاراتهم وآخر هزائمهم وآخر فشلهم، وأن يحصي في الحرب القادمة أعداءهم عددًا وأن يقتلهم بَددًا وأن لا يغادر منهم أحدًا، وأن يُيتّم أطفالهم وأن يرمّل نساءهم؛ ثم لا يزيدون على أن يبدأوا في إزالة آثار ذلهم ومهانتهم وانكسارهم، وأن يجرفوا أنقاض أبنيتهم وطُرُقهم وجسورهم المدمرة، ليعيدوا بناءها من جديد، وكأن الكونكريت والإسمنت والأسفلت هو كل ما يعنيهم، أما الإنسان المدمَّر، وأما الإنسان المهمَّش، وأما الإنسان المقهور، فلا أحد يفكر في إعادة ترميم ثقته النفسية، أو إعادة بناء تصدعاته الفكرية، أو إعادة تكوين هويته الثقافية؛ أما على جبهات القتال والمواجهة، فالجنود العرب- الذين تصعب تسميتهم بالمحاربين، لأن المحارب صاحب مبدأٍ وصاحب رسالةٍ يقاتل من أجلهما، وليس موظفًا يتقاضى أجرًا من أجل أن يؤدي مهامه المحددة على قائمة الوصف الوظيفي- ليس لديهم أساليب قتاليةٍ جديدةٍ يتدربون عليها، ولأنه ليس لديهم معداتٌ عسكرية جديدةٌ ومتطورةٌ، فإن معداتهم العسكرية القديمة وغير المتطورة سيعاد حشوها بالذخائر المتخلفة والعديمة الفاعلية نفسها؛ وأما المسؤولون الرسميون والسياسيون العرب، الذين تصعب تسميتهم بالعسكريين والمخططين الاستراتيجيين، لأنهم لا يتمتعون بالمؤهلات العقيدية والأخلاقية ولا بالجرأة النفسية ولا بالإمكانات العلمية والتقنية الضرورية لذلك، ولأنهم أجبن وأعجز من أن يقترحوا خططًا مستقبليةً أو برامج أو مبادراتٍ أو أفعالاً هجوميةً، فإنهم يتفرغون للصراع على المناصب، وعلى تقاسم النفوذ والثروة، وعلى تصفية الحسابات وعلى حماية المصالح الشخصية؛ وعلى هذا المنوال السُّدائي، تذهب السنون والقرون من أزمنة الأمة العربية هباءًا منثورًا، كما تذهب جهودها وثرواتها وأجيالها هدرًا في إعادة بناء الكونكريت والأسفلت الذي ستأتي إسرائيل أو أمريكا أو ربما أثيوبيا بعد بضع سنين لكي تُحيله قاعًا صفصفًا·