كتاب "الربيع الأسود ثورة أم ظاهرة أم فصل جديد من فصول تجفيف الأمة؟"؛ إصدار فكري وسياسي للكاتب الإماراتي عبدالعزيز خليل المطوع.
قراءة كتاب الربيع الأسود
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
الإهداء
إلى أمي··
التي كنت أفر من عالمي المضطرب إلى جبينها الوادع، لأجمع قواقع طفولتي من على هذا الشاطئ الملائكي، فهناك كانت ترسو قوارب صباي ونزقي، وهناك كنت ألوّن صورة غدي، وهناك كانت تراتيلها وصلواتها ومناجاتها تعلّمني أن إنسانية الإنسان تكمن في إيمانه بالله، وفي إيمانه بقيمة الآخرين واحترامه لإنسانيتهم، وأن ذخيرة الإنسان من العلم والأخلاق والعمل هي رأسماله الوحيد في مشروع استثمار الحياة، وأن المبادئ والقيم هي التي تجعله يواجه تحديات الحياة بأنَفة الرجال وكبرياء الشرفاء وتضحيات الأبطال ودموع المصلحين·
إلى أمي··
التي كان وجهها طفلاً كابتهاجة الزهر، وقورًا كموج البحر، خجولاً كالنجم وهو يختبئ في عباءة السحاب، كنت أرى في وجهها المسكون بالزمن حكمة الخريف وصبر الشتاء وذكاء الربيع وكرم الصيف؛ وكنت أرى في وجهها المسكون بالإيمان، إباء الإنسان الذي لا تغيره تقلبات الحياة، وثقة الإنسان الذي لا يتنازل عن المبدأ، وعزة الإنسان الذي لا يقبل بأقل من الحق·
إلى أمي··
التي كان قلبها بيتنا، قبل أن يكون لنا بيتٌ من الجدران والسقوف، وكان سماءنا وأرضنا وفضاءنا وعالمنا، قبل أن ندرك بأن هناك عالمٌ آخر فيه سماءٌ وأرضٌ وفضاءٌ؛ حتى إذا ضاعت خُطانا في دوامة ذلك العالم الكئيب، وتباعدت بنا المسافات، وجدنا قلبها الكبير بوصلةً لحيرتنا، وبلسمًا لجراح قلوبنا، ووجدنا وجهها الوقور قنديلاً يضيء كل زوايانا بالفرح والأمل، ووجدنا أمومتها حضنًا يضم كل مساحات مشاعرنا المهشمة، ويلملم كل شظايا ذاكرتنا المتناثرة، ووجدنا شوقها حديقةً تمسح عن أحداقنا نغص الحياة المتوحشة، وتزيل عن أكتافنا غبار الدروب·
إلى أمي··
التي طرّز الزمن أجمل ذكرياته على يديها وعلى أناملها، فقد كانت يداها الكريمتان واحتين لم تمنعهما قسوة الصحراء من حولهما من أن تكونا معطاءتين كينابيع الواحات، وأن تكونا وارفتين بالحنان كظلال الواحات·