كتاب "الربيع الأسود ثورة أم ظاهرة أم فصل جديد من فصول تجفيف الأمة؟"؛ إصدار فكري وسياسي للكاتب الإماراتي عبدالعزيز خليل المطوع.
قراءة كتاب الربيع الأسود
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} (سورة العصر)
لأن الزمن أو العصر الذي يتفاعل معه الإنسان واحدٌ لا يتعدد ولا يتنوّع، فإن نوعية وطبيعة الجهود الإنسانية التي تتفاعل في داخله هي التي تصنع الفرق في النتائج، فالجهود الصانعة للمكتسبات والنتاجات والإيجابيات البنائية، هي تلك التي تتميز بكونها جهودًا قائمةً على علاقة التواصل والتواصي، وهي عملية تقويمٍ منهجيةٍ وموضوعيةٍ دقيقةٍ، ومشروطة بالالتزام بالحق الذي يمثله المنهج الرباني، بشرائعه وتكاليفه ومفاهيمه وتصوراته المؤطرة بالعلم والخير والرحمة والمصداقية من أجل إحداث التغيير في المسار من خاسرٍ إلى رابحٍ؛ كما تتميز تلك الجهود بكونها مشروطةً بالصبر، وهي عملية شَحنٍ ذهنيٍّ ونفسيٍّ وإيمانيٍّ لاستدعاء المقدرة على الثبات على المبدأ، والتشبث بالإرادة، والإصرار على الوصول إلى الهدف؛ وبهذا يصبح الصبر عملية انتظارٍ تفاعليٍّ وحركيٍّ وإيمانيٍّ لذلك الإنسان أو المجتمع الملتزم بتلك الجهود المشروطة، إلى أن يكتمل المفعول الزمني أو جرعة الزمن الضرورية لصناعة النقلة التغييرية واستحقاق النتائج الإيجابية، أو يحين أوان العصر الذي تتهيأ فيه الظروف المناسبة، لتأتي المساندة الإلهية بتحقيق الحالة التغييرية·
من هذه الأرضية تنطلق عملية التواصي بشقّها الأمرِيّ المحفز على التوجه الخيري والعمل الموجَب، وبشقّها النَّهَوي المحذر من التوجه الشرّيّ والفعل السالب، إنها عمليةٌ بنائيةٌ لا بُدّ أن تتضافر وتتكاتف فيها مهمة العالِم ومهمة الداعية ومهمة المربي ومهمة المفكر ومهمة الأب ومهمة الكاتب ومهمة الإعلامي ومهمة القائد في رسالةٍ واحدةٍ، عمليةٌ يجب أن تتوحَّد فيها الطاقات والمجهودات لنبذ اليأس وبذل المحاولة التي تجعل الإنسان يتفوق على نفسه، والتي تنقل حركته الحياتية من مساراتها الخُسرانية إلى مسارها الرابح، والتي تحُول دون ارتكاسه إلى النتيجة الصفرية التي تترصده؛ إنها عمليةٌ مليئةٌ بالأمل وبالثقة وبالإرادة وبالرغبة المخلصة في التغيير، ومليئة بالمحاولات وبالزخم وبالجهود وبالعمل الإنتاجي وبالمبادرات الدؤوبة، لا بالخمول المتكئ على التبريرات والمسوغات والأعذار؛ وبهذا يكتمل رأسمال العملية التغييرية: الإنسان والعلم والإيمان والإرادة والزمن والعمل، وهكذا يحدث التغيير: حركة الإنسان المؤمن في ممر الزمن، ودروس الماضي وذاكرته، وجهود الحاضر الإيجابية ومواجهة تحدياته، ورؤية المستقبل واستشراف طموحاته·
ولأن خسارة الإنسان مرتبطةٌ بتقاعسه وتهاونه في دائرة الزمن المهدور، ولأن محاولة تغيير النتيجة الخاسرة داخلةٌ في الإطار الزمني نفسه الذي تراكمت فيه الخسارة، فإن استعادة الثقة والتفوق على عوامل الإحباط والتردد المستمَدَّين من الإيمان ومن إرادة التغيير لإحالة الفعل الطائش أو الفوضوي أو العبثي إلى عملٍ صالحٍ ومنتجٍ وإبداعيٍّ وناجحٍ، جميعها مرتبطةٌ بالإنسان نفسه وبالزمن نفسه، وتلك هي أرضية الصراع الأزلية بين الحق والباطل، أو بين الخير والشر، أو بين الفوز والخسارة·
بين الاستهلال بالعصر أو الزمن، وبين الاختتام بالصبر أو انتظار انقضاء الزمن، توافق مذهلٌ لتثبيت العلاقة الوثيقة بينهما في ذهن الإنسان الصانع للتغيير؛ إنها استضاءةٌ رائعةٌ وضروريةٌ، لإدراك أن الصبر ليس انتظارًا سلبيّاً وتوقُّفًا يائسًا عن الحركة بانتظار صنائع الأقدار ليذهب ذلك الزمن الثمين بعد ذلك هدرًا، بل هو إمهالٌ للتأثير الزمني لكي يأخذ مداه اللازم، بعد أن تكون الجهود المُحدِثة لذلك التغيير قد أخذت موقعها الفعلي على برنامج المحاولة·