حسين المسنجر، شاب فقير يعمل في مقر جريدة محلية رئيسها رجل مهم ومعروف. تدور أحداث الرواية حول بعض موظفي هذه الجريدة وعلاقتهم ببعضهم البعض. من أجواء الرواية نقرأ:
أنت هنا
قراءة كتاب حسين المسنجر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

حسين المسنجر
الصفحة رقم: 9
هكذا كان يفكر حسين ابن الثامنة والعشرين، الذي فقد أباه المُزارع البسيط قبل عشرة أعوام؛ ليجد نفسه العائل الوحيد لأم وثلاث شقيقات وشقيق لم يتجاوز حينها الثالثة من عمره الطري·
حسين ببنيته الضئيلة، وبسمرته ورأسه شبه الأصلع الذي اعتاد حلق شعراته لطمس خشونتها، وصمته المُريب، كان مثاراً للعطف أحياناً، ومثاراً للسخرية في أحايين كثيرة· كان الكثيرون يرون في صمت حسين طيبة·· وربما طيبة زائدة تغريهم بمناكفته وتحميله مزيداً من الأعباء النفسية في أغلب الأوقات·
لم يعرفوا يوماً أنّ حسين كان يستقبل سخريتهم بثورة ومظاهرة كبرى في دهاليزه الداخلية، لا يسير فيها سواه!·
لم يكن ذلك الراتب الذي يتقاضاه من الجريدة كرئيس للفراشين يكفي لإطعام ستة أفواه· ولا الدنانير التي يجنيها من عمل إضافي هنا ومهمة جيدة هناك بكافية هي الأخرى للإيفاء بمتطلباتهم التي تزيد يوماً بعد يوم·
لم يعرف حسين وأسرته شيئاً عن المتعة·· متعة الحياة·· كل ما كانوا يشترونه يندرج تحت بند الضروريات·· لم يكن في حياتهم ولا في بيتهم شيء من الكماليات· كان كل ما في حياة حسين بسيطاً ، وأحياناً أقل من البسيط!·
لم يكن صاحب البيك أب الذي يقل حسين يومياً من وإلى مقر الجريدة نظير مبلغ شهري، يقبل أن يوصله حتى باب بيته؛ لأن الطريق إليه لم تكن مستوية، حيث تكثر بها المطبات·· وتتنازعها حفر مختلفة الأشكال والأحجام؟!·
يسخر حسين في دواخله من هذا الذي يخشى كُل الخشية على إطارات سيارته كي لا تتلف، في حين إنه لا يرى بأساً إذا ما ألمّ عطب بقدميه أو بظهره لفرط سيره على هذا الطريق المموج بتعرجاته!· فصاحب البيك أب يعتقد بأن من اختبر تعرجات الحياة الحقيقية ومطباتها، قادر- ولا شك- أن يتجاوز تلك التي تعرقل وصوله حتى باب بيته!
يكتسب المُعدمون في هذه الحياة مناعة حقيقية ضد التعاطف مع آلام أشباههم من المُعدمين والكادحين لفرط إحساسهم بالألم؟!!· تماماً مثلما هو معروف-طبياً- إن استمرار الألم في مكان ما من الجسم زمناً، كفيل بتخدير موضع الألم، فلا تعود تشعر به حقيقة!·
ترجل حسين من السيارة ليواصل طريقه نحو بيته الرماديّ سيراً على الأقدام·
لماذا اختار حسين الرمادي لوناً لواجهة منزله؟!·
لأنه اللون الوحيد لتركيبة الأسمنت!· لم يتمكن حسين يوماً من توفير ثمن دهان زاهٍ يدهن به جدران منزله ليغدو أجمل وأبهى!·
وكما هي جدران المنزل باهتة كدرة، كانت حياة حسين وعائلته، التي لم تكتس يوماً بالألوان الزاهية المفعمة بالحياة·
ها هي جدران المنزل الداخلية قد اصطبغت باللون الأصفر بعدما مرر الزمن بصماته عليها، وتلك لوحة نُقشت عليها آية الكرسي بخط كوفي مُعلقة في صدر غرفة المعيشة التي تُسطرحدودها مراتب طويلة ووسائد كبيرة، كالتي لا تزال تنتشر في أغلب بيوت بسطاء البحرينيين·