رواية "عطرية" للكاتب السوري ابن الجولان معتز أبو صالح؛ الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت عام 2004، نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب عطرية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

عطرية
الصفحة رقم: 5
- أُقتلوني وأريحوني من عذابي، أُقتلوني·
- لا تتركنا هكذا جاهلين بما يجري، إن أهل عطريّة يموتون جوعًا يومًا بعد يوم· ساعدنا كي نبطل هذه اللعنة، نتوسّل إليك أنقذنا· لم يبق لنا سواك·
أغمض عينيه، كأنّه لا يسمع توسّلاتهم· حين أمعن بتجاهله صاحوا بصوت واحد:
- لا·· لا تمت·
حين ازدادوا صراخًا همس بتلك التّمتمة الخفيضة:
- من ظلام هذه الليلة سيولد النور·· ومن اللاشيء الذي يُتوّج بتاج من عطر ستتوهّج الحقيقة·· سيُقطّع اللحم بسيف من شهوة كاذبة·· وتهيم الروح لتعود ريحًا·· لتعود ريحًا·· وتهيم ريحًا·· و··
- لا نفهمك أيّها العرّاف·
حين ازداد تمتمة ازدادوا صراخًا، فقال:
- وحقّ أولادكم حذّرته كثيرًا· حذّرته لكنّه لم يسمع بصوتي·
قال أحدهم مستغربًا:
- ما الّذي تهذيه أيّها العرّاف؟ من ذاك الذي حذّرته؟
- أنا لا أهذي يا بنيّ· إنكم على حق، ومن حقّكم أن تعرفوا كلّ شيء· سأفشي لكم بأسرار عطريّة المسكينة، لعلّ تحرير الحقيقة يصلح ما جرى· لقد خدعتكم الملوك، خدعوكم وكنتم دائمًا ضحاياهم ولم تعلموا بأرجاس البلاط· سوف أنسى الآن أنّي عرّاف، وأخبركم، على غير عادة العرّافين، عن الماضي·· ماضيّ وماضيكم، لا عمر لمستقبلٍ أتنبّأ به هنا، ففي حاضركم لغزكم· ولغزكم مناورة ماضيكم· كنت دائمًا أخبر عن الغيب الذي لم يحدث أبدًا، بل ربّما الّذي حدث على ألسنة ملوككم؛ الغيب الذي زيّن القصور وغلّف الفساد الذي عاث في كل شيء، ولم يصدّه أحدكم·
نعم، تحدّثت عن الغيب الذي أراده الملوك لأني كنت جبانًا ومتآمرًا معهم عليكم· كنت دائمًا أداور الحقيقة كي تبقى كما أرادوها لكم، لكنّي الآن سأحكي عمّا كان كما كان·
ساعدوه كي يتّكىء على جذع الشجرة· قال:
- تعالوا نخرج من الزمان والمكان ونمضي بعيدًا عن عطريّة، ومعًا نحكي حكايتها كأنّنا لسنا منها· لقد جعلت منّا القصور أناسًا غرباء عن أرضنا، نعيش عليها ولا نعرف ماذا نريد منها وماذا تريد منّا· فما دمنا غرباء تعالوا نخرج من الحكاية ونحكيها من جديد، لعلّنا نكتشف من نحن وماذا نريد·