رواية "عطرية" للكاتب السوري ابن الجولان معتز أبو صالح؛ الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت عام 2004، نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب عطرية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

عطرية
الصفحة رقم: 10
أجابها، وعيناه تلاحقان مياه النهر:
- دائمًا أنتظر يوم الموكب لأنهض فأرى الفرح محيطًا بي، أمّا اليوم فلا أدري ماذا حدث· عندما فتحت عينيّ رأيت كلّ شيء حزينًا، حتى الجدران رأيتها متشقّقة وشقوقها تملأها الدموع· والآن عندي رغبة قويّة بألاّ أعود إلى القصر، بل أشعر بكل شيء يحرّضني على العصيان، ويشجّعني على عدم العودة· لو كان بمقدوري أن أختفي عن عيون أولئك الجنود وأضيع بين الناس إلى الأبد·
نظرت إليه بعينين ذابلتين وانتظرت كي ينهي كلامه· فأضاف هامسًا:
- يا للسخرية، هناك أناس يحلمون بأن يكونوا ملوكًا وأنا أحلم أن أكون كأبسطهم ·
استلقيا على الأرض بين الزهور وأطلقا عنان عيونهما على غاربها، تعانق ما تشاء· بعد صمت طويل التفتت إليه· داعبت شعره وقالت:
- لقد بلغت الثامنة عشر قبل أسبوعين· وقد أخبرتني أمّي بأنّه منذ اللّحظة سيتوجّب عليّ أن أقف في أحد صفّي النساء الّلذين يمرّ بينهما موكب الملك·
حتّى تلك اللّحظة لم يكن على علم بخفايا المواكب، لكنّ قلبه، ولسبب لا يعرفه، خفق بسرعة· نظر إليها نظرة استفهام، فابتسمت وأضافت:
- في الموكب القادم، في السوسنة، عندما تمرّ عربة الملك من أمامي سأصرخ: أيّها الملك أنا لا أشتهي هداياك، أنا أريد منك هديّة واحدة، أريد ابنك غابْ
رسم ابتسامة حزينة وقال:
- وسأختبئ أنا في عربة الهدايا·
أعادت نظرها إلى السماء وقالت:
- آه، كم هي جميلة الأحلام، لكنّها قبيحة عندما نصحو منها·
- عندما أسمع في مجلس عبدون ما يكتبه الحكيم روزبة أشعر بأنّي أستطيع أن أحقّق أحلامي، فكلامه يمنحني قوّة غريبة·
تظاهرت بالغضب وقالت:
- صار يغيظني روزبة هذا، إنّك تحبّه أكثر مني· هل يفوقني جمالاً؟
أجابها ضاحكًا:
- لم أره بعد·
- أرجو أن لا تراه أبدًا·
عاد إلى جدّيته وقال:
- يحيّرني أمر ذلك الحكيم، حتى الآن لا أحد يعرف عنه شيئًا سوى اسمه الذي يكتبه على المخطوطات، ويحيّرني أكثر أمرها، فبعد كلّ موكب يُعثر عليها متناثرة حول معبد مرجان دون أن يعرف أحد كيف تصل إلى هناك·
- رّبما يكون مصدرها القصر!
- لا أعتقد ذلك، فلم أسمع عنها شيئًا، ثم إن فيها كلامًا يتعارض مع إرادة القصر· في مجلس عبدون يسمعها الناس على أنها قصص مسليّة، أما أنا فأرى فيها رسائل يريد روزبة أن يوصلها إليهم، ربما رأيت ذلك لأنّي ابن القصر وأعرف أشياء لا يعرفها الناس· في آخر مرّة ذهبت إلى المجلس، بدت تراودني شكوك حول كلّ ما يجري في قصور أبي، حتى أنه لأوّل مرّة داهمتني أسئلة لم تخطر ببالي أبدًا· لقد قرأ عبدون مخطوطة لذلك الحكيم جعلتني أشكّ في كلّ شيء·