أنت هنا

قراءة كتاب صرخة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
صرخة

صرخة

هذه "صرخة" مها القصراوي في عالم الصمت المريب، عالم عنفه صمت، وصخبه صمت، وتواطؤه صمت، والحركة الموارة فيه صمت.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
هناك في تلك المدينة التي تشبه هذه المدينة ··· حيث البدء وصور تلعق ذاكرتي ··· تنهشها ··· والمرض يلعق جسده ويحوله إلى جثة··· هذا ما جناه أبي علي وما جنيت على أحد ··· جئت يا أبي تبحث عن لقمة خبز ··· هارباً منفياً ··· مرعوباً ··· هدم البيت واحترق الشجر ··· وبقيت أنت وحيداً تبحث عن ملاذ ··· أين المفر ··· في تلك المدينة وجدت ضالتك ··· جمعت المال والمرض والموت ··· هكذا أنت هربت من فقرك إلى حتفك ·
 
كنت طفلاً صغيراً ··· ما زلت أذكر جسدك المريض وأنينك ··· آهاتك تمزق عتم الليل ··· تتألم ··· تئن ··· تسأل ··· هل سأشفى ؟ هل سنعود ··· كنت تدرك أنها النهاية ··· ولكنك كنت دائماً تبحث عن سؤال لجواب ··· هكذا أنت ··· تآكل جسدك بمرض خبيث ··· وأنت ما زلت تنتظر ··· في لحظة ظننت أن المنفى سينتهي وتعود ··· ولكن كان الموت أقوى ···
 
ذهبت وبقينا ··· أنا وأمي وأختي ننتظر هناك في البعيد ··· حيث الصحراء والغربة والمنفى ··· تتكوم الأيام والليالي كثباناً رملية ··· تذروها الرياح ··· ثم تعود مرة أخرى ··· هذه حياة المنفى ··· مضى العمر ونحن نكوّم الأيام والليالي ··· نعد سنوات وتعدنا الأيام ···
 
في زاوية هناك ··· أسندت ظهري الصغير إلى الجدار ··· وقبعت أنظر إلى جسده المسجى على سريره ··· كان في الثلاثين من عمره ··· الموت وجده صيداً ثميناً ··· أخذه ورحل ··· وبقيت أقبع في زاوية الأيام أحمل صورته في ذاكرتي ··· تكبر الصورة ··· تلعقني ··· تنهش ذاتي ··· دمعة ُيتم علقت بين جفني طفل حائر ما زال يحمل في ذاكرته ألماً ومرارة ··· ذلك اليوم ··· يوم حاضر في سنوات العمر ··· وما غاب ··· أبلع ريقي وأشعر بجفاف الحلق ··· ما أكثر ما بلعت ··· وما أكثر غصات العمر ·
 
صحوت على صوت الجرسون يسألني عن شيء أشربه ··· طلبت قهوة ··· دمعة طفرت··· مسحتها بسرعة قبل أن يراها أحد··· الساعة مرة أخرى··· دائما الساعة ··· يؤرقني الزمن والساعات ··· الوجوه من حولي غريبة ··· متعددة الأشكال والألوان ··· لغات مختلفة ··· أشكال متعددة من العيون ··· إنها النهاية في مدينة غريبة الملامح والسمات ··· ولكن الفتى العربي فيها ··· غريب الوجه واليد واللسان ··· ليرحم الله المتنبي ··· كان يدرك أننا سنقول نحن العرب في زمن ما قولته ، ولكن الفتى العربي فيها ···
 
سمعت صوت هشام يناديني ··· لقد أنقذني من كآبتي وتعاستي ··· نزل من السماء ··· نظر إلي مستغرباً ··· متسائلاً ··· ماذا حدث لك ··· لقد كبرت سنوات في هذه الشهور القليلة ··· حزن وكآبه ··· ماذا حدث لك···
 
في لحظة ··· شعرت أن الدمعة متحجرة في مآقيها ··· عصية ··· تخنقني ··· ليتها تهرب ··· تنزلق ··· هذا زمان النواح وبكاء الرجال ··· في شوارع إحدى المدن العربية ··· في زمن ولّى ··· كنت أتجول في ليلة شتوية ماطرة في سيارتي ··· وإذ بصبي في التاسعة من عمره يطرق زجاج النافذة ، ويسألني أن أشتري ما معه ···
 
كان يبكي ··· محتقن الوجه
 
قلت له : التاجر لا يبكي ···
 
قال: عليّ أن أبيع ما معي حتى أستطيع العودة إلى البيت ···
 
عرضتُ عليه مالاً مقابل أن يحتفظ ببضاعته الصغيرة ··· رفض· وقال : إذا أردت أن أقبل المال ، تأخذ البضاعة ···
 
قلت له : ولماذا تبكي ··· الرجال لا تبكي!

الصفحات