هذه "صرخة" مها القصراوي في عالم الصمت المريب، عالم عنفه صمت، وصخبه صمت، وتواطؤه صمت، والحركة الموارة فيه صمت.
أنت هنا
قراءة كتاب صرخة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
وصلت الطابق السادس حيث شقتي ··· أما هي، فقد بقيت تنتظر وصولها حيث الطابق التاسع ··· خرجت مسرعاً··· فتحت الباب ··· لم أنظر خلفي··· دخلت شقتي الصغيرة ··· برغم تواضع أثاثها ، أجد فيها الهدوء والسكينة ··· أهرب إليها من عبث الخارج والداخل ··· رغم شعوري الدائم بالجوع ، أفقد شهيتي ولا أتناول الطعام إلا كي استمر في الحياة··· الطعام مؤجل عندي··· حاجتي الى النوم والاسترخاء دفعتني الى السرير ··· لعل النوم هو أفضل الحالات التي نعيشها بحثاً عن الموت المؤقت ··· ضغطت زر التلفاز ··· جاءت الصورة دون صوت ··· إنه يؤنسني ··· حالة هذيان··· أسمع صوت القرآن ··· الشاشة سوداء ··· المذيع ينعي المدينة ··· الجياد تتسابق ··· الرجال تراهن ··· آخرون يلعبون الورق ··· النار تأكل المرج الأخضر ··· الناس وأنا معهم نفرّ ··· الجبال معلقة بين السماء والأرض ··· العاصفة تسحق ··· أنا مكوّم بين صخرتين ··· أصرخ استجدي ··· صوتي مثل صوت التلفاز غائب ··· يلهث ··· الصورة حاضرة والصوت غائب··· كنت أسبح في بحر من الماء والخدر والهذيان ··· نظرت الى الساعة ··· الساعة ملعونة في هذه المدينة ··· تسرق أيامنا وأعمارنا ··· لا أحد يحاسبها ، ولا نجد أمامنا سوى الذل على عتبات عقاربها··· نجاريها في سرقتها···الصورة حاضرة·· قرأت خبراً عاجلاً على شاشة التلفاز وزارة الدفاع الامريكية ترسل جنودها الى الخليج ··· واسرائيل تستدعي الاحتياط ···
أي مفارقة تلك التي نعيشها في هذا المستنقع الآسن من الهزيمة والإحباط ، ونتساءل ··· لماذا يرخص الدم الأمريكي في سبيل مصلحة دولتهم وعلمهم في حين أن دماءهم أغلى الدماء مقابل رخص الدم العربي حين يسفك في الشوارع والزنازين ، ويرتفع ثمن الدم العربي إذا وجب التحرك من أجل مصلحة قومية وأمنية ··· ويتحرك الدم العربي للحفاظ على كرسي العرش والنظام ··· لمن ينتمي العربي ولماذا ينهار ويهزم في ظل أي هزة؟ ··· خمسون عاماً أو مايزيد والأنظمة العربية تبني دولاً كرتونية من ورق ··· وتحول الإنسان العربي الى دمية متحركة ··· يأكل ··· يشرب ··· ينام ·· يستجدي لقمة العيش ··· الرغيف طير له جناحان ··· هو يطير ونحن نطير وراءه ··· نستجدي اللقمة على أبواب الدول··· فقدنا كل شيء ··· نصف قرن كان يكفي لتدمير الذات العربية وقتلها···
ساد الصمت ··· هل يولد المسيح من رحم القتل والتدمير··· هل نفلت من عباءة العم سام ، وننسج عباءتنا ··· المرأة تحبل في رحمها بطفل ···
والرجل يحبل في ذاكرته بالكلمات ··· يأتي المخاض في اللازمن··· فتولد الكلمات مشوهة ··· عارية ···
شعرت بحالة اختناق وغثيان ··· قررت الخروج من هـذا المكـان الذي أحسبه أحياناً جحـراً يخنقني··· يقضم أيامي··· تركت التلفاز مفتوحاً ··· خرجت أجوب الشوارع ··· تائهاً في المنافي ··· من مدينة الى مدينة ··· ومن شارع الى شارع ··· فقدت شهداً وبوابة العبور··· والأرض ··· والجذور ··· وأطفالي ··· والحلم ···
لم يبق لي سوى أضغاث أحلام وذكريات ··· هذه النهاية ، سقطتُ في دوامة الماضي واللحظة الحاضرة ··· أتجول ضائعاً ··· أدخل من شارع الى شارع ··· أتأمل في هذه المدينة ···
تلك مدن تسرق زمنك ··· تأكل لحمك وترميك عظما ··· تملكتني الدهشة وأنا أرى عمالاً ينامون على أرض مزروعة بالحشيش ··· كل هذا الثراء والإنسان مهان كالحشرة ··· يرمي جثته المنهكة على قارعة الطريق ··· نحن في زمن المفارقات··· لا يمكن فهم الأشياء لأنها لا منطقية ··· لا تخضع للتفسير ···
في كل مدينة عربية ··· ترى صور القائد وتماثيله··· لقد تحوّلنا إلى عبدة أوثان ··· ضاعت الأوطان بين عبادة الصورة والتمثال ··· لماذا لا نعلق صور من نحب وننحت لهم التماثيل؟ ··· لو تساءلـت هذه الأصنام ، لأدركت أنهـا أصنـام حقيقية ··· لا تمثل سوى أوهام ··· تحولت أوطاننا الى أملاك خاصة يورثها السلطان لأبنائه ··· وشعوبنا بين المطرقة والسنديان ···
قررت الذهاب الى نجوى أختي وأمي ··· أشعر بالحنين إليها دائماً ··· كانت أمي بعد وفاة أمنا ··· وما يمنعني عن زيارتها ، زوجها كمال ··· رجل يرى الأشياء من منظور فوقي واستعلائي ··· لا يحب الناس ··· لا يحب نفسه ··· تخرج من جامعة أمريكية ··· يعتقد أن ما حققه في حياته يدفعه إلى رؤية الناس من حوله رعاعاً ···