هذه "صرخة" مها القصراوي في عالم الصمت المريب، عالم عنفه صمت، وصخبه صمت، وتواطؤه صمت، والحركة الموارة فيه صمت.
أنت هنا
قراءة كتاب صرخة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
حدق فيّ نظرة غريبة ··· اخترقت جسدي ··· وقال : أنت لا تعرف شيئاً ··· الرجال تبكي حين تكون مقهورة ··· أخذت البضاعة وأخذ المال وانصرف ···
الرجال تبكي حين تكون مقهورة ··· هذا زمن بكاء رجالات العرب في السر والعلانية ··· في زمن ليس ببعيد كان من العار أن يبكي الرجال ··· وأصبح الآن من العار أن لا يبكي الرجال دمعاً بل دماً وعلى شاشات التلفاز ··· أمام الحاضرين ·
قلت لهشام : إن زلزالاً داخلياً يهز أعماقي ··· يزلزل كياني··· وجودي ··· لم أعد احتمل انهياري الداخلي ··· أحاول منذ أن وصلت هذه المدينة منذ ما يقارب السنة ، التعايش ··· التوحد ··· الامتزاج ··· لكن هيهات ··· كلما اقتربت من هذه المدينة ··· نفرتْ مني وهربت لغيري ·
هذه المدن يا صديقي ليست لنا ··· هي لغيرنا ··· المدن تحزن وتخاصم ··· مدننا حزينة تسيطر عليها الكآبة والألم ··· تهرب من النهار لتختفي في حضن الليل ··· أصبح يومها ليلاً وظلاماً وعتمة ···
قال هشام : أنت يا صديقي لست واقعياً ··· ما زلت تعيش في أوهام الماضي ، تحلم بشعارات ومبادئ لم يعد لها وجود · عليك أن تكون واقعياً في حياتك ··· ضاع كل شيء، فقدنا الاتجاهات ··· أصبحت لا تسمع سوى جملة واحدة ··· تحترق البلد على مَنْ فيها ··· وأنا مالي ···
هذه هي الذات العربية ··· يا أخي أرجوك أن تستيقظ ··· انظر إلى حالك إلى الآن لم تتزوج ··· ما زلت تحلم بأحلام الماضي ··· الوطن والأرض ··· وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ···
ضحك هشام ساخرا ··· أسمع صوته يأتي من بعيد ··· العرب شعوب مدجنة ··· أكثر من خمسين عاماً وهم يتوارثون حب الذات ··· يورثونها ··· تحولت ذاتيتهم إلى دودة تورّث ···
يا صديقي نحن في عصر المفارقات ··· كل شيء يستباح ··· الأرض ··· الوطن ··· الكرامة ··· المفاهيم ··· لم يبق لنا ما نملكه ··· نعيش في العراء ، وما زلت تقول لي غير قادر على التعايش · عليك أن تتعايش مع واقعك الجديد ، وظيفتك الجديدة ··· الكثير يتمنى أن يكون مكانك ··· ويأخذ الأجر الذي تأخذه ··· أرجوك أن تهدأ ··· أن تنظر قليلاً إلى نفسك ··· ما عاد هناك ما يستحق أن نبكي عليه وقد أصبحنا عراة تتقاذفنا الرياح ···
قلت له: أتحسدني على وظيفتي؟ ··· مدقق لغوي في مجلة نسائية ··· لا تكتب إلا ما هو تافه ··· وكذب ··· تريدني أن أهدأ وأستكين ··· من أين يأتي الهدوء ··· أتعلم ··· ولدت في المنفى ··· عشت حياتي مسافراً من منفى إلى منفى ··· أبحث عن وطن في ذاكرة الآخرين ··· لأنني لم أره ··· أنسج صورة لتفاصيل أرض عشناها عبر قصص الآباء والأجداد ··· كنت أحلم دوماً بيوم سيأتي ونعود ··· أحلم بوطن يعود في صحوة زمن ··· ولكن ··· هيهات أن يأتي هذا اليوم ···
نحن أمة فاقدة ··· أشعر بالمرارة والألم ··· مرارة العلقم في فمي وفي ذاكرتي ··· نقف على حافة الهاوية ··· لم يبق للسقوط سوى شعرة ··· هل ستنقطع ··· ونسقط في الهاوية؟
رد هشام : هل تعلم ؟ ··· أنت ما زلت تعيش في وهم ··· عليك أن تدرك أن من نحاربهم يعيشون في مخادعنا منذ زمن بعيد ··· وما وصلنا إلى هذه الحالة إلا لأنهم يعشعشون في مدننا ··· هل تعلم أن الكثير من الخبراء الأمريكيين هم من اليهود المتشددين ··· يعيشون في بلادنا ··· يسيطرون على التعليم والشركات والكثير من المؤسسات ، وتقول لي شعرة ··· هذه الشعرة مقطوعة ونحن نغرق في الهاوية ··· ربما تكون هاوية لا قرار لها ···
غرقنا في صمت حزين ··· رشفنا قهوتنا ··· قاسية اللحظات التي أجلس فيها مع هشام ··· نغرق في همومنا وأحلامنا ··· هموم الحاضر وأحلام ماض لم يعد له وجود ··· الأيام التي تذهب تظل هي الأجمل في حياتنا ··· نستبشر كل عام بسنة جديدة ··· ثم نكتشف جمال ما فات في مستنقع اللحظة الحاضرة ··· التغيير في كل شيء ··· حتى هشام ، صديق الماضي تغير ··· أين أحلامنا وآمالنا بوطن نبنيه بعد تحرره ··· أين العروبة والقومية؟···
في الماضي كنا نشعر بغربة في المنافي ··· الآن غربة واغتراب ··· ألم ومرارة ··· يطلب مني أن أكون واقعياً ··· ما معنى الواقعية ··· أن أتعايش مع لحظة الحاضر كما هي ··· لقد تغير هشام ··· هل الزواج والعمل يغيران مبادئ الإنسان ··· رغيف الخبز وتأمين المستقبل جعلاه ينسى أحلام الماضي والآمال التي عشنا نؤمن بها ·· لم يبق إلا الذكريات ··· يا للسخرية ··· نحن أمة لا تملك سوى ذكريات وطن وأرض وأحلام وآمال ··· ينتهي الماضي بمستجدات اللحظة الحاضرة ···
فجأة سألته : هل أنت راض عن حياتك هنا ؟