المجموعة القصصية "أقرب بكثير مما تتصور"، للكاتبة بسمة النمري التي تتميز بلغتها وأسلوبها وشاعريتها. في هذه يكتشف القارئ قدرة كبيرة على استخدام الكلمات وتوظيفها ما يؤكد أن الكاتبة تتوفر على الطاقة شعرية كبيرة.
أنت هنا
قراءة كتاب أقرب بكثير مما تتصور
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
الصندوق
هذا وقتٌ يصلح للموت كثيرًا، هذا صباحٌ يليق بالنهاية· أترقّب القادم على الطريق، اليوم سوف يصل· أقلب فنجان القهوة الصباحي، يطلّ عليّ منه، راقدًا ينتظرني، ممدّدًا في القعر، تلطّخ جسده بقايا القهوة السوداء، رأسه مسندٌ إلى جدار الفنجان· أحدّق إلى عينيه، تهوي طمأنينةٌ ضحلةٌ في داخلي، تغوص في أعماقٍ موحلة·
·· ما يزال ينتظر، لا مناص إذًا، فالموت على وصول·
دقّاتٌ على الباب، أواربه قليلاً·
- أتيتَ··، وتحكم إغلاقه خلفك، تلصق ظهرك به، تجوس الغرفة بنظراتك·
- لا أحد غيرنا··، فتطمئن·
تطفو على وجه الوحل فقاعاتٌ تنفجر عند السطح، تنثر قلقًا·
الآتي قد أتى
بحّةٌ طارئةٌ في صوتي تقودك إلى الصندوق·
- ليس الصندوق، بل ما بداخله·· همستُ حين ابتسمتَ ساخرًا وأنا أخرجه من مخبأه بحرصٍ، أضعه بتأنٍّ وحذرٍ أمامك· تتّسع ابتسامتك أكثر، تكاد سخريتك أن تطاله، فأقرّبه منّي، أمرّر أصابعي على جوانبه، ألامس سطوحه، أنحني فوقه، أوشوشه·
آسفة، تنفجر ضاحكًا، تتناثر شظايا ضحكتك حول صندوقي، أصابعي تنزف، وتعتذر·
- مجرّد صندوقٍ من الورق المقوّى، أليس واحدًا من تلك التي تباع فيها الأحذية؟··، يفحّ صوتكَ·
- ليس الصندوق، قلت لك، بل ما بداخله، لِمَ لا تفهم؟!··، وأحتضن الصندوق· وكما دائمًا، يباغتني غدرك، تخطفه منّي، ترفعه أمام عينيك، تقرّبه من أذنيك، تهزّه وتتسمّع·
- زجاج؟!·· أخشى أن أكون قد كسرت شيئًا ممّا بداخله
- لا تخف، فكلّ ما بداخله قد تكسّر منذ زمن
وأرفع رأسي إليك، تعجّبٌ يزحف نحو تقاطيع وجهك·
- تفهم؟··، وأنظر أبعد ممّا أمامي، أصل إلى المرآة خلفك، تعكس وجهًا آخر، وجهك الآخر·


