أنت هنا

قراءة كتاب أقرب بكثير مما تتصور

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أقرب بكثير مما تتصور

أقرب بكثير مما تتصور

المجموعة القصصية "أقرب بكثير مما تتصور"، للكاتبة بسمة النمري التي تتميز بلغتها وأسلوبها وشاعريتها. في هذه يكتشف القارئ قدرة كبيرة على استخدام الكلمات وتوظيفها ما يؤكد أن الكاتبة تتوفر على الطاقة شعرية كبيرة.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
نسيج الرغبات
 
موتٌ إلى أن يأتي الموت، وها أنا في قلب الموت، سنّارتا النسيج بين أصابعي، رأساهما يتحاوران، يدور أحدهما حول الآخر، لا يكلاّن، صعودًا وهبوطًا، والخيط الصوفي بينهما يسيل نسيجًا طريًّا، يتطوّى على الأرض، وادعًا ينام عند قدميَّ· وأطيل النظر إليه، ماذا سأفعل به، وماذا سيفعل هو بنفسه، لا أدري،·· ولا أظنه يدري·
 
وأنا في قلب الموت، يتأرجح بي كرسيّ الخشبيّ الهزّاز، تتراقص خصلات شعري حول وجهي، تحتكّ به، فيثور نزقًا، أهدّيء روعه، أرفع الخصلات عنه، هنيهةً لتعود وتحطّ عليه من جديد·
 
إلى متى؟··، وأترك النسيج جانبًا، أفرد أصابعي وأثنيها، ثم أفردها، وأعود أثنيها و·· تهاجمني الفكرة الكامنة فجأة، أُكوّر قبضتيّ وأضغط·· وأضغط·هل آن الأوان الآن؟!، ·· هل؟··، تتسلّل أصابعي إلى شعري، تتخلّله، ترفعه بعيدًا عن جانبيّ وجهي، أغمض عينيّ، تضيء الفكرة في العتمة، تتوهّج، أضغط صدغيّ براحتيّ، يسري خدرٌ لذيذٌ في رأسي·أقبل التحدّي؟··، ·· أنصاع للرغبة القديمة؟··، وشعري المسترسل الطويل، ألا أكون إلاّ به؟·· لطالما اشتهيتُ أن أجتثّ شعري بيدي، كم حلمتُ به قصيرًا، قصيرًا جدًا·· جدًا·· إيّاك، هذا جنون، فأستكين، لكن الآن، وفي قلب الموت، لا وقت لتأجيل الرغبات،·· الآن·· وإلاّ، وأنهض·
 
أنحني على نسيجي المعلّق بالسنّارتين، أدفعه إلى نهايتيهما لئلا يفلت منهما، أرمقه بنظرةٍ ذات مغزى، فيدرك، وأعرف أنه يدرك، فكلّ شيءٍ مودعٌ لديه، أرخيه على الكرسي، أهزّه به فلا يبقى وحيدًا، وأنطلق·
 
بالمقصّ أولاً، فيغدو قصيرًا، أمرُّ عليه براحتي، لم تشبع الرغبات بعد، بشفرة الحلاقة، إلى أن تنتهي تمامًا·· تمامًا·
 
تجفل المرآة أمامي، للوهلة الأولى أكاد لا أصدّق، لا أصدّق أبدًا أننّي قمتُ بذلك، نظرةٌ أخرى·· وأخرى·· وحين تعتاد المرآة على ذاتي، وألمح فيها ابتسامتي، أقبّلها بحرارةٍ وأعود·
 
ومن جديد، يهتزّ بي الكرسي، وأهتزّ أنا بالنسيج بين يديّ، تتسارع حركة أصابعي، تتململ كرة الخيوط في حضني قلقة، يتوتّر الخيط الصاعد منها إليّ· بسرعةٍ·· بسرعةٍ، وألهث، يجنّ الكرسي تحتي، يعلو أزيزه، فوق·· تحت، فوق·· تحت، إلى أبعد مدىً يصله، ورأس السنّارة يدور لهفًا حول الرأس الآخر، نهمًا يبتلع الخيط الممزّق بينهما، ونسيجي الذي لا يشبع، أبدًا يطلب المزيد، ورغبةٌ أخرى هناك على الطريق، والكرة في حضني تصغر·· وتصغر، تتلاشى، تغدو خيطًا، والخيط يقصر، والرغبة القادمة على وصول· أغمض عينيّ·· وأنسج، تتلاحق أنفاسي·· وأنسج، ترتبك أصابعي·· وأنسج، أتحسّس الخيط الباقي، يهوي قلبي، أهناك فضاءٌ، يا تُرى، لسطرٍ أخيرٍ في نسيج الرغبات المجنونة؟

الصفحات