أنت هنا

قراءة كتاب أقرب بكثير مما تتصور

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أقرب بكثير مما تتصور

أقرب بكثير مما تتصور

المجموعة القصصية "أقرب بكثير مما تتصور"، للكاتبة بسمة النمري التي تتميز بلغتها وأسلوبها وشاعريتها. في هذه يكتشف القارئ قدرة كبيرة على استخدام الكلمات وتوظيفها ما يؤكد أن الكاتبة تتوفر على الطاقة شعرية كبيرة.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
- أريد أن أسألكِ أستعطفها، تقاطعني قبل أن أكمل·
 
- نعم·· أعرف أسماء الكثير منها، لكن دعنا نجلس أوّلاً، لنرتاح ونأكل شيئاً، فقد مضى عليّ يومان وأنا أبحث عنكَ، قطعتُ خلالهما كلّ الشوارع بانتظار أن تأتي، كدتُ أنهار تعبًا، وأذكر أنه قد أُغمي عليّ مرّتين من فرط جوعي·· أين كنتَ؟! تأخّرتَ كثيرًا·
 
- كنتُ أدور حول نفسي، مثلكِ تمامًا، وكنتُ كل الوقت أُعزّي روحي بأنني قد خلقتُ لأبحثَ عنكِ، وأنكِ قد خُلقتِ لتوجدي، وها أنا·· وها أنتِ، أنا الآن السؤال، وأنتِ الإجابة، وقد كنتُ قبل يومين الإجابة، أتُرى حينذاك كنتِ أنتِ السؤال؟ أمّا وقد التقينا، فما عاد للبحث عن جدوى السؤال أي معنى، السؤال، بحدّ ذاته، هو كل المعنى، لماذا على كلّ الأشياء أن تكون ذات جدوى؟! ألستِ معي؟ أنا أظنّ أنه لو شغل كلّ امرءٍ نفسه باختيار سؤالٍ خاصٍّ به، تطول الإجابة عليه ولا تنتهي، لما قامت الحروب، ولما اختلق الناس المشاكل كي يقطعوا بها الوقت، فالوقت سيمضي، حتى وإن لم يقتلوه، هو سيقتل نفسه، ألا تظنيّن ذلك؟
 
- أظنّ أنك تتكلّم بشكلٍ متواصل، ولم تعطني حتى الآن فرصةً لأجيبك، ألم تجدني لهذا الغرض؟!·
 
- لا·· ما عاد غرضي البحث عن إجابة، السؤال بحدّ ذاته إجابة، لأنه حين يُسأَل، يكون قد خُلق، ومتى خُلق فستتعدّد الإجابات، قد تكون صائبة أو خاطئة، لا يهم، المهم هو موجدها الواحد، أي السؤال، وهي على كثرتها ستبقى تدور حوله، ألا تظنّين معي أن اللّه سؤال؟ لو لم يكن سؤالاً، لما بحثنا عن إجاباتٍ تدلّنا عليه، أنظري من أين بدأتُ·· وإلى أين وصلتُ، كنتُ سائرًا وحدي أقلّب فكرةً مرّت ببالي بغتةً، وها نحن الآن معًا نمضي لنبحث عن اللّه، أرأيتِ كيف أن الأشياء تنبثق فجأةً، تتوالد، ثم تغدو مجديةً حتى وإن كانت في بداياتها تبدو بلا جدوى؟!
 
ما بالكِ صامتةً، تكلّمي·· تكلّمي·· لماذا على أحدنا أن يتكلّم والآخر يصغي، لماذا لا نتكلّم معًا، أيجب علينا أن نسمع ونفهم كلّ ما يقوله الواحد منّا للآخر؟ دعينا نتكلّم معًا، أو نصمت معًا إن أردنا، فها نحن نأكل معًا، نسير معًا، نفكّر معًا، أليس كذلك؟ أتدرين؟ كنتُ أملُّ صوتي حين أسمعه وأنا أتكلّم وحدي، وأتمنّى لو أنني أصمت علّني أرتاح منه، لكن الآن، وأنت تتكلّمين معي، صار الحال أفضل بكثير، حتى أنني ما عدتُ أسمع صوتي أبدًا وأنا أحاول أن ألتقط كلماتك علّني أفهمها، فإن تعذّر عليّ ذلك، اشرحي لي أنت معنى كلامك، لكن عديني أن لا تخجلي إن لم يكن وراءَه أيّ معنىً، فلو كنتُ أبحثُ عن المعنى منذ البداية، لما وجدتكِ، وها أنت الآن معي، وهذا كل المعنى، أليس كذلك؟··
 
ترنو عيناكِ إليّ بنظرةٍ أخيرة، تهمسين في أذني بكلماتٍ لا أفهمها ثم تبتعدين،
 
ما بكِ؟!·· لماذا؟ لماذا تغادرين؟·· ارجعي، ارجعي أرجوكِ··
 
أناديكِ·· وأناديك، لكنّك تغيبين، وها أنا الآن أجد شيئًا جديدًا أشغل تفكيري به، أحاول أن أسبر غور دماغكِ، أظنّ أنك مثلي، رافقتني دون أن تدري لماذا، وهجرتني أيضًا، دون أن تدري لماذا· أليس من الأفضل لو أن الناس جميعًا تمحو من ذاكرتها كلّ علاقاتهم السابقة التي تربطهم بعضهم ببعض، وتهيم على وجوهها مثلنا، تترك حريّة الإختيار للصدفة، تجمعهم وتفرّقهم على هواها، دون أن يتكبّدوا عناء البحث عمّن يظنّون أنهم أنصافهم الأخرى التي تكمل أرواحهم؟·· حين ندرك أن لكلٍّ منا روحه المستقلّة الكاملة، ماذا يهمّنا من الآخر، ليكن من يكونه، وما يكونه، هو له نفسه، وأنا نفسي لي، إن اجتمعنا اليوم وافترقنا غدًا، ماذا يعني؟·· مثلي·· ومثلكِ·· أليس كذلك؟·· فها أنا أسألكِ مع أنك مضيتِ، فأين الفرق إذًا بين وجودكِ وعدمه، حين أقول لنفسي أنّكِ معي، سوف تكونين معي، هل أنا بحاجةٍ إلى شهود عيانٍ كي يقسموا بأنّك معي؟·· أنا الشاهد الوحيد عليّ، أليس ذلك أفضل؟!·· حتمًا ذلك أفضل· اسمعي، كانت البداية تكمن في البحث عن أسماء لأشياء مستديرة، وها أنا الآن أرى أن الإنسان فكرة، الحياة فكرة، وأن الفكرة مستديرة، فها هي تنتهي من حيث تبدأ، كالدائرة تمامًا، انظري إليّ كيف أعود إلى ناصية الشارع التي ابتدأتُ مسيرتي منها، أرجع إليها كما كنتُ قبل أن أتركها، أرأيتِ؟ أنا أدور·· وأدور·· وأدور·· وسألقاكِ من جديد·· وسنفترق من جديد، وسنظلّ ندور·· وندور·· دون أن نعي أننا نعاود إلى نقطة الصفر في كل مرّة، أتدرين متى سنتوقّف؟ حين ندرك أننا نحن، بإرادتنا، الذين لا نريد أن ندرك، لكن لا تحزني، لأن تلك هي البداية، والبدايات تبدأ هكذا دائماً، فنحن حين نرفض أن ندرك، يعني أننا، في أعماقنا، ندرك ما نرفض، ولهذا نرفضه·

الصفحات