"مفارق العتمة " هي باكورة الإنتاج للروائي محمد عبدالله المزيني، طبعة المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2004، يعرض فيها الروائي لسمفونية المكان الذي يلعب الدور الرئيسي والحيوي، فمنذ العنوان والقارئ يشعر بهذه الرسالة المكانية فكلمة مفارق توحي بالمكانية، كما أن
أنت هنا
قراءة كتاب مفارق العتمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
مفارق العتمة
صفحات تنضح برائحة أحلامنا في نزق إلى مستقبل نجهله· يشدنا الماضي حيث كانت ولاتزال خطواتنا تدب بين جنباته· نحلق كالفراشات· نزف حكايات صغيرة مختزلة تملأ فراغات عقولنا وتهوي بنا بين عقارب الساعات غير المحسوبة· تعصرنا· تشكلنا· تقذف بنا في رحم عالم نراه يكبر كالمنطاد، يحجب الكون، فنشمر عن سواعدنا بشغب· نمتطي صهوة أحلامنا التي لا تلبث أن تنفجر كفقاعة صابون· تعترينا خيبات صغيرة ؛ نقفز فوقها سريعاً· نلملم أوصالنا المبعثرة كأهازيج ليلة عرس موشحة بخيوط ضوء القمر؛ فنبدو كأطياف ليل مهجور، تصفر فيه الريح بين مفارق العتمة القابعة في وجوم وتبتل وسط الصحراء، حيث الرمضاء ووهج الشمس الحارقة تلفح الوجوه، وحيث الرياح المعتسفة تذرو حبات الرمال·· تحملها من صحراء النفود والربع الخالي، مروراً بالصمان، حيث تختلج المشاعر الصامتة فتنبض بالحلم ؛ ملهمة الذاكرة الشعبية بمعنى الصمود أو لربما اليأس أو الجحود، بمشاعر تتحرك كحبات الرمل على أكف الرياح تكظمها الصدور بتحد وعناد·· مثل بركان يتحفز ليثور، لا تفك رموزها أو تحل معانيها إلا ساعة انتشاء، حينما يدق لهيب النار أوصال خشب (الأرطا) أو (الغضا) أو (السمر)·· وحينما تصدح فناجين القهوة بأنفة وكبرياء مصطدمة بأنف الدلة الأشم المسكونة بعنفوان الكرم·· هناك ترقد المدينة المكدودة تحفها الرمال من جهاتها الأربع· تتكور على نفسها بخطوط وتقاسيم أزقة متشابكة، تراها من بعيد تنبت من الرمال في اصطبار وتبتل تحنو على خرير المياه تنتزعه مكنات الري الحديثة، فلا يخبو صوتها إلا حينما تلفظ الشمس آخر أنفاسها على صفحة الأرض الموشاة بلون الذهب وحمرة النار، فلا يبقى منها سوى ظلال معتمة تبعث على القشعريرة·· تلك كانت مدينتي (الرياض) وفي جزء منها حيث أقطن·