رواية "موتى مبتدئون" للشاعر والروائي سليم بركات؛ نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب موتى مبتدئون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
![موتى مبتدئون موتى مبتدئون](https://files.ektab.com/php54/s3fs-public/styles/linked-image/public/book_cover/mu268f.jpg?itok=R_43tcg2)
موتى مبتدئون
الصفحة رقم: 4
المدية والمبرد
شحذ الرجل الجالس على جذع شجرةٍ مهشَّم، قبالة المياه في خليج أُوْدِنْ، مِدْيتَهُ العريضة الشفرة على مبردٍ حجرٍ مضلَّع· نطق المعدنُ في احتكاكه بالمعدن، فأصغى قلبُ الرجل إلى حكمة اللسان الصلب·
ثلاثة عشر طيراً من قبائل البط، المطوَّق العنق ببهاءٍ أصفر، عبرتِ البرزخَ الثلجَ إلى البرزخِ المياهِ كقوارب من ريش· مسَّها الرجلُ ببصره؛ مسَّ ببصره الدوائرَ المتداخلةَ على السطح الرماديِّ الساكن· تأمَّلَ البعيدَ المُعْتَصَر في قبضة الأفق المُعْتَصَر تحت ثقل السماء· أغمض عينيه· تحركت شفرةُ المدية، ثانيةً، على المبرد، فأصغى المجهولُ، بعقله الذهبيِّ، إلى الهسيس المرتعش في خيال المعدن·
نهض الرجلُ عن الجذع المهشَّم ليستعرض على نفسه المكانَ تفصيلاً بعد آخر: الجذوعَ العتيقةَ الهرمة، والثلجَ المتغلغل، بجسارةٍ، في المياه، والغابةَ المؤتَلِفةَ من خلفه، بأُمم أشجارها العارية منها والمكتسية· تقدم خطواتٍ بلاهدف، ثم انكفأ· حدَّق إلى المدية، فالمبرد، متفحِّصاً أمرَ وجودهما في يديه، باستفسار أخرس· جلس على الجذع المهشم، من جديد· علا هسيسُ احتكاك المعدنِ الحديدِ بالمعدن الحجرِ·
رقيقةً تمايلت نُدَف الثلج في نزولها· أُسْدِل الحجابُ الشفيف بإيماءة البياض إلى مريده الخفيِّ· رفع الرجل وجهه ناظراً إلى البطِّ المفتَّت الصور وراء الحجاب· ذابتْ جسومها في سطرٍ متَّصل من حروف بلافواصل· انتزعتْه رعشةٌ خفيفة من تأمُّله في الأشكال· ردَّ خِمارَه الجلدَ، من خلف رقبته، على رأسه الأبيض: أيها البط، ألاتريد أن تسألني شيئاً وأنت تقتحم الماءَ من جهتي التي لي؟ ابتسم ابتسامةً مُرْهَقَة كخياله· وضع المبردَ الحجر في جيب معطفِه الجلدِ السميك الخشن، وأغمد نصل مديته في الجذع الجالس عليه· حرَّر يديه من أحوال الوصف المتتابع للحركة بكلمات الهسيس على لسان المعدن· تكلَّم بانكسارٍ: أيُّ مكانٍ يقود نَفْسَه إليَّ؟ لاأتذكر شيئاً أيها الثلج· لاأتذكر شيئاً أيتها المياه· لستُ ماثلاً أمامي· باردٌ كلُّ شيء، لكنه بردٌ يستعطفني أن أشفق عليه· ليكنْ: سيدي، أيها البرد،