أنت هنا

قراءة كتاب التوأم المفقود

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التوأم المفقود

التوأم المفقود

رواية "التوأم المفقود" هي الراوية الثانية في رصيد الكاتب العراقي سليم مطر التي صدرت عام 2001 عم المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت؛ تحكي الرواية عن تجوال شاب عراقي منفي يغادر جنيف بحثا عن (توأمه المفقود) ويقوده بحثه العجيب إلى متاهات نفسية وروحانية لم ت

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
المخاض
 
حتى الآن لا أدري كيف بدأت حكايتي· بعض من سردتها لهم لم يصدقوني واعتبروني واهماً· إني أتفهم موقفهم هذا، لأني أنا ذاتي اشك بذاتي وبصحة الأحداث التي مرت بي· لكني رغم ذلك أدرك جيداً في قرارة نفسي أني قد عشت فعلاً تلك الأحداث ولا زالت آثارها على بدني وفي روحي·
 
إني في الحقيقة منذ زمن متردد بالكشف عن هذه الحكاية· لو تعلق الأمر بي وحدي لما تراجعت عن كتماني وتركها طي النسيان· لكن المشكلة أن الأمر يتعلق بإنسان آخر هو شيخي وشفيعي( توما الحكيم)، إذ ما كف ضميري عن تعذيبي لأني تباطأت عن ابلاغ رسالته لكم·
 
مهما بدت الكثير من وقائع حكايتي غرائبية، فإن تجربتي الطويلة مع شيخي الحكيم لا يمكن أن أشك بصحتها أبداً· ليس من المعقول أن أكون توهمت ذلك الزاهد العجيب الذي أمضيت معه حقبة طويلة في صومعته في بادية الشام· هو الذي كشف لي الكثير من أسرار الواقع والتاريخ، ومنها سر(سيدة القارورة) التي أمضيت معها شطراً من حياتي حاشداً بالمغامرات العجاب· (توما الحكيم) هو الذي علمني من الحكمة والمعرفة ما جعل حياتي تتغير بأكملها· بفضله وحده أستطيع الآن أن أمتلك إرادة التشبث بالحياة وأن أسرد لكم حكاية ترحالي العجيب في عوالم الوجد والفقدان خارج حدود الزمان والمكان، بحثاً عن توأمي المجهول·
 
بدأت حكايتي منذ سنوات، بالضبط في شتاء عام 1991، عندما كنت نائما وحدي في شقتنا في جنيف· كان نومي قلقاً بعد أن أمضيت المساء في مستشفى الولادة مع زوجتي (مارلين) وهي تعيش المخاض بإنتظار وليدنا الأول· لا أدري كم انقضت من الساعات حينما استيقظت فزعاً على رنين الهاتف· لم يتسن لي حتى أن أضيء المصباح· قفزت مرتعبا متلهفا وتعثرت بالسلك وسقطت أرضاً· رفعت السماعة وأنا على يقين أنه المستشفى· وسط ظلام وبرد ثلجي متسلل عبر نافذة نسيتها مفتوحة، سمعت استغاثة أرعبتني وجمدت دمي· كان صوتاً مخنوقاً صارخاً:
 
ـ غريب إلحقني يا أخي تعال·· أرجوك أنقذني من الضياع والموت·· أنا أخوك يا غريب·· أنا توأمك أرجوك خلصني أرجوك··
 
لم استوعب في البدء معنى الكلام· احتجت لا أعرف إلى كم من الوقت لكي أدرك أن الأمر لا يتعلق بزوجتي، بل بشخص آخر لم أكن انتظره أبداً!
 
كان صوتاً عجيباً· رغم إلفته فأنه بدى غريباً· فيه وحشة استغاثة وموجات صدى كأنه يأتي من أعماق بئر عميق· عن أي توأم يكلمني؟ لم أعرف أبدا أن لي توأماً· صحيح أن لي العديد من الإخوة والأخوات، لكن ليس فيهم أي توأم·
 
الحقيقة أن فكرة التوأم هذه ليست منقطعة الجذور تماماً· أنا منذ أن وعيت الحياة يتملكني إحساس مبهم بأن لي نصفاً آخر ينتظرني في مكان ما على الارض·· إحساس لا أدري كيف أصفه، اشبه بمن ينتظر لقاء إنسان عزيز· إنسان أراه في الخيال ولا يفصلني عنه غير جدار من الأثير· إنسان يشبهني تماماً، ليس في الشكل، بل خصوصاً بالشخصية والميول والأفكار حتى أننا يمكن أن نتفاهم مع بعضنا في كل شيء· لقد أمضيت حياتي وأنا أحس بتوأمي هذا يراقبني ويحاورني ويتفهمني ويتعاطف معي، بل حتى يوحي لي بالكثير من الأفكار والحلول·
 
منذ طفولتي تملكني إحساس بغربتي عن اهلي ومجتمعي وحاجتي لإنسان مثلي يشاركني توحدي· كنت ممسوساً بفكرة خرافية بأني في حقيقتي كائن هابط من سماء أو كوكب بعيد، ولابد أن يأتي اليوم القريب الذي ستبزغ فيه طاقتي الجبارة لأنتقم لحياتي من إذلالها وفقرها وأساعد الضعفاء على الخلاص من ظلم الأقوياء·
 
يقول شيخي الحكيم إن لدى جميع البشر ثنائية في شخصيتهم الواحدة وانقساماً بين ميول مختلفة متناقضة: أنوثة وذكورة، حسية وروحانية، عقلانية وعبثية، واقعية وخيالية·· الخ· لكن هذه الثنائية تختلف درجتها وحدتها بين شخص وآخر· عادة ينجح أغلب الناس بفرض شخصية واحدة على ذاته لتسيطر تماماً على الشخصية الثانية التي تبقى مكبوتة ومنسية· هنالك أقلية تعاني من تقارب وتوازن بقوة الشخصيتين إلى حد صعوبة التوفيق بين الطرفين والتقلب الدائم بينهما· قد تبلغ هذه الحالة من الحدة بحيث أنها تتحول الى أزمة تفجر صراعا بين الشخصيتين حتى بلوغ ما يسمى بجنون الانفصام (الشيزوفرنيا)·
 
لسوء الحظ انا مثل الكثير من أبناء بلادي· بسبب حدة ميراثنا التاريخي والشخصي، نشبه تلك الأقلية ذات الشخصية اللنفصامية المتوترة· أنا بحاجة لهذا التوأم لكي يتضامن معي ليس بمواجهة الآخرين فقط، بل خصوصاً بمواجهة نفسي· أن يعين نفسي على نفسي ويكون حكما في الصراع المحتدم بين أقوام ذاتي·

الصفحات