في راوية "العباءة"؛ المدينة تغالب نعاسها وتغني ، تستيقظ فيها الحياة صباحاً ، ترقص مع اندفاع السيارات رقصة آلية .، بينما يغط البحر خلف المباني المتراصة مثل تنين نائم .
أنت هنا
قراءة كتاب العباءة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

العباءة
الصفحة رقم: 3
فترد بتلعثم :
- أنا أعرف أنك كنت عندها··!
ينظر إلى عينيها - اللتين تحرك سوادهما في محجريهما بسرعة - مباشرة· ينتظر أن تنطق باسم· وبعد أن يشدّ قميصها حول رقبتها بقوة، تقول بصوت مخنوق:
كنت عند····· غي·· د·· اء·
يرفع كفه الثانية ليصفعها، وقبل إنزالها على وجهها الذي تغضن خوفًا يسمع صرخة أحمد الصغير في حجرته فتنزل يده ببطء، يترك مقدمة قميصها القطني، ثم يدير ظهره متجها إلى الحمام·
تنظر إلى رأسه المتعالي، فتلمح بؤبؤي عينيه يتحركان في محجريهما نحوها، تهلع لكنها تؤثر الوقوف مكانها لكيلا تعطيه فرصة لأن يشعر بخوفها· تستقر عيناه بالفـراغ بينـه وبين آخـر الحجرة قبل أن يغلق الباب خلفه·
ترتمي على المقعد الوحيد في غرفة نومهما، وبعينين زائغتين تقلّب بصرها في جدرانها المصفرة إثر انعكاس الأضواء المعلّقة في السقف، وعلى المفرش الملوّن فوق السرير والقطع الخشبية المتناثرة على شكل دولاب كبير فاض بثياب مبعثرة، آخـذًا مساحة الجدار المقابل له، وطاولتين وتسريحة امتلأت بمستحضرات زينة وقوارير عطر من أحجام مختلفة·
يكسر خرير الماء المنزلق على جسده حدة الهدوء الذي ملأت المكان· يصبح طنينه عاليا في أذنيها اللتين تسـدهما بكفيها في محاولة منها لمنع الصـوت من التسرب لعقلها·
تدندن بإحدى أغانيها القديمة بصوت رخيم· ترفع صوتها بالغناء· لكن خرير الماء على الرغم من هدوئه قوي كمطرقة، حاد كاحتكاك أظافر على سطح معدني، مما يدفعها للهروب مسرعة نحو الصـالة وهي تضغط أذنيها بقوة، بينما تنزلق دمعة سـاخنة باتجاه الغرفة·!
تختار أريكة قريبة من الشرفة لتسكنها، يمر الليل عليها وهي قابعة مكانها بلا حراك، يأتي النهار، يعقبه ليلٌ· تمرّ بها أزمنةٌ كثيرة وهي في مكانها ذاته!، فيما تكبر المدينة، تتسع، لتجرّ أقدام البعيدين نحو ترابها الغني بكل شيء إلا بعض خضرة تناثرت على التلال في موسم المطر الشحيح·
رائحة الغاز اشتدت قسوتها على الأنوف الحادة، والهواء يحطّ ثقيلاً مع رطوبة البحر· وفي الوقت الذي أهمل النـاس الحديث عن النار والمصانع البترولية تتفتح أحاديث جديدة، وتختفي الأزقة الخلفية لتحل محلها شوارع واسعة مسفلتة دون أطفال، سيارات تتسابق في تجاوز الإشارات المرورية صباحا وتهدأ خطـوتها عند اقتـراب المساء، بينما أسوار المنازل والبنايات تعلو في صراع نحو السماء·