"عودة لقمان" مجموعة قصصية للكاتب الأردني الراحل أديب عباسي، الصادرة عام 2003 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ منها:
قراءة كتاب عودة لقمان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
عودة لقمان
الصفحة رقم: 2
وبعد هذين الحكيمين عالج هذا الضرب النفيس من ضروب الأدب نفر من الكتاب الغربيين والشرقيين نجح بعضهم بعض النجاح وأخطأه البعض الآخر، ولكن لم يستطع أحدهم على كل حال أن يبلغ ولو قريباً من المنزلة الرفيعة التي بلغها كليلة ودمنه وكتاب لافونتين·
ومن كتاب الشرق الذين عالجوا هذا الفن من فنون التعبير شوقي، عالجه فيما أذكر في بضع عشرة أقصوصة بعضها مقتبس وبعضها موضوع وكلها عليها الطابع الشرقي المألوف من حيث نصوع الديباجة ورشاقة التعبير وقرب المأخذ وعفو الأداء وسلامته· ومنهم كذلك جبران في ك تابه المجنون، وهو في رأيي خير كتبه في العربية· والانجليزية على السواء فهو يخلو من عيوب جبران في صوفيته القائمة في أكثر كتبه الانجليزية وفي بعض كتبه العربية بالرغم من عنوان الكتاب الذي يوحي بلا غراب أو الأبهام أو الشرود· وممن عالجوا هذا الفن شعراً على نطاق ضيق جداً، أبو ماضي، وله في ديوان الجداول بضع قصص كالعدير الطموح والوردة الذابلة والضفادع بلغت مبلغاً بعيداً من سداد الحكمة وصدق التجربة وسلامة التعبير· وممن عالجوا هذا الفن نثراً من كتاب الشرق كاتب هندي باسم أيار· وقد ترجم كتابه إلى العربية الأستاذ حسن عبده الزيات· وإذا كان كل الكتاب أو جله في جودة الأمثلة التي اقتبستها عنه الرسالة يومئذ في معرض تقديمه إلى القراء فهو كتاب في درجة عالية من الجودة والنفاسة· أما كتاب جنة الشوك للدكتور طه حسين فلا ندري أنستطيع أن نضيفه إلى هذا الضرب من ضروب التعبير الفني أم هو بما فيه أو في معظمه على الأقل من وعظ سافر أدنى إلى غير هذا اللون من ألوان الأدب وألصق به·
إذا أنتما تريان أيها القاريء والقارئة أن المؤلفين البارزين في هذا الباب من أبواب الأدب لا يكادون يعدون في جميع العصور وفي جميع الأمصار على أصابع اليدين معاً·
وقد تسألان عن علة هذه القلة في معالجي هذه الناحية من نواحي التعبير عن الخبرة البشرية، أهي هوان هذه الناحية على القارئين والكاتبين أم هي شيء آخر ؟ أما الهوان فجوابه أن أروج كتاب في اللغة العربية بعد الكتب الدينية وأكثرها عدد طبعات نفيسة أو غير نفيسة وأدومها عهداً في أيدي الناشئة وأشها إلزاماً بالرجوع إليها بعد ترك طويل أو قصير لتقويم اللسان وتحسين البيان مع إفادة المتعة الطريفة تصاب خلال ذلك في كل مدرسة عربية أو غير عربية في كل قطر عربي هو كتاب كليلة ودمنه· كذلك نستطيع أن نقول أن أروج الأقاصيص وأروج الدواوين في الأدب الغربي هما مجموعة أيزوب وديوان لافونتين· فهما الكتابان اللذان ينطبق عليهما وصف الناقد الغربي من حيث النفوذ إلى كل القلوب في كل الأعمار وفي كل الأمصار، للا يترفع عنهما الكبار ولا يشقان على الصغار·
أما الشيء الآخر في تفسير هذه القلة الغريبة الملحوظة في إنتاج المنتجين في هذا المجال فنعم· وأحسب أن الذي جعل هذا الصنف م صنوف الأدب أقل الأصناف تعدداً هو أنه أشق هذه الأصناف وأكبرها مؤونة على الأدبي المفكر· فالمثل الاقصوصي يجب أن يحوي في أول ما يحويه فكرة مبتكرة وحكمة مصيبة تصور تصويراً جميلاً خبرة أو خلقاً أو مشرباً أو عادة أو مسلكاً أو هوى أو فلسفة أو خلاف هذه من شؤون النفس والحس في ما لا يتجاوز الأسطر أو الصفحة الواحدة أو الصفحات القليلة أشد القلة على الأكثر· ذلك أن المثل إذا تجاوز هذا القدر أصبح قصة تؤثر تأثيرها الآني، ولكن قلما تذكر على تطاول ا لزمن ومزاحمة المؤثرات، وهو المقصود من المثل الاقصوصي لاإضافة إلى متعة الحاضر والتأثير المباشر، وذلك لاشتباك عقد هذه القصص في أغلب الأحيان وتعدد أحداثها وكثرة أشخاصها وطول أوصافها مم لا يتيح لها ذكراً قريباً دائماً على مر الزمن وتطاول الأحداث كالذي يتاح للمثل الموجز أشد الإيجاز المركز أبلغ التركيز، ثم إن الإيجاز مع الطرافة وابتكار والعمق هي زشق ما يتصدى له المؤلفون ويعانون· ومن هنا يؤثر الأديب أن يقصر قوى الابتكار عنده على فكرة أو فلسفة واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو عشر أو عشرين ويبني على كل منها بناء ضخماً من الفروع والأوصاف والتشخيص والحوادث في رواية أو روايات قليلة مطولة على أن يصرف جهوده أجمع على مئات الفكر يشتقها من خبرته وخبرة الناس ويبني على كل منها أقصوصة الأسطر أو الصفحة أو الصفحات القليلة، فلا يتجاوز إنتاجه الأدبي والحالة هذه مدى الحياة كتاباً واحداً أو كتابين، إلا إذا كان من جبابرة الفكر الذين يستطيعون أن ينتجوا أضخم الإنتاج في كل لون من ألوان الأدب والفن والمعرفة ويكونون من المجلين فيها جميعاً·