"عودة لقمان" مجموعة قصصية للكاتب الأردني الراحل أديب عباسي، الصادرة عام 2003 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ منها:
قراءة كتاب عودة لقمان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
عودة لقمان
الصفحة رقم: 8
بين ديك وهرة
قال الديك للهرة: أمرك عجيب أيتها الهرة: تصيبين الفارة أو العصفور أو خلافهما مما تصطادين من ذوات الأحجار أو الأشجار وتسرعين إلى صغيرك وتلقين بصيدك ذاك بين يديه دون أن يتجاوز طعمه الشهي شفتيك، ولكني أراك تصرخين وتزبئرين وتضربين بالكف إذا ألقى إليك أهل منزلك باللقمة التافهة العجفاء وجاء صغيرك يهم لكي يأخذها منك· فما ذاك الإيصار العجيب وهذه الاثرة الغريبة تمزجين بينهما هذا المزج ؟ إنني لا أفرق بين جيد صيدي ورديئه في إيثار ذوي به على نفسي· فأنا إذا وجدت حبة قمح أو حبات أو قطعة خبز أو ثمرة نسيها أهلها أو طرحوها لفسادها بادرت إلى دعوة زوجاتي وفراخي دون أن أدخر لنفسي شيئاً، فكيف تفسيرن علك ذاك إن يكن له تفسير ؟
فأجابت الهرة وقد أغمضت عينيها قليلاً: لا تنس أولاً أيها الديك أننا إلى قريب كنا من أهل الغابة والعائشين على سننها وقوانينها· وكثير منا يعود إلى عيشته تلك راضياً مختاراً ولا يفكر قط بعدها في العودة إلى الحضر لاستجداء اللقمة أو سرقتها بدل أخذها عنوة واقتداراً كما يفعل في الغابة· ثم لا تنس أيها الديك أننا من ذلك القبيل الذي يهز بصولته وجبروته وبطشه أرجاء الغابة· وأعي قبيل الأسود والنمور والفهود وما إليها، وإن كنت ترانا نقل عنها حجماً قلة بالغة، ويعترف كرام الناس والعارفون بأقدار ذوي الأقدار بأصلنا هذا، فلا يأبون أن يطلقوا على سيد الغاب لقب الهر· فأنت ترى أننا نرجع إلى أصل أصيل وعرق نبيل واننا نستطيع أن نعود إلى الغابة في غاية من السهولة واليسر، ومن هنا نستطيع أن نذكر ولا ننسى ذلك الأصل الرفيع وأخلاقه وتقاليده· فالقمة أو القم التافهة أو الدسمة تلقى إلينا إلقاء هي سداد من جوع وحسب، ولا تستحق أن ينشأ وليدي على النظر إليها كمنتهى أمله وغاية سوله، فهي مهما تكن جيدة أو رديئة لا تعدو كونها لقم التسول والاستجداء مما يعرف عنه ذوو العزة والكرامة ولا يقبلونه إلا تحت ضغط الحاجة والضرورة· أما ما يصاد صيداً ويصاب عنوة فهو طعام الحرية والكرامة الذي لا نشتهي شيئاً قبله ولا تؤثر عليه سواه، ولست أرغب في أن أرى صغيري ينظر إلى غير ذلك الصيد نظرة الاعزاز والتفضيل· فهل ترى الآن معنى ما أنصع وأمزج بين ما تدعوه اثرتي وإيثاري ؟ فأجاب الديك: أجل، إنني أرى الآن، ونعم ما نصنعين أيتها الهرة، وليتني كنت على مثل ما تقدرين قادراً، إذاً لكفيت بني وذوي وكفيتني مؤونة الاتكال على هؤلاء الناس الذين يطعموننا ويسموننا لإحبابنا وإيثاراً لنا ولكن طمعاً ببيضنا أو لحمنا أو كليهنما معاً