قراءة كتاب عودة لقمان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عودة لقمان

عودة لقمان

"عودة لقمان" مجموعة قصصية للكاتب الأردني الراحل أديب عباسي، الصادرة عام 2003 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ منها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
وقد يأخذ الآخذون على قصة المثل القصير أنها لا تتسع لأكثر من إبراز الفكرة، فلا مجال فيها للتلوين العاطفي وتوكيد المشاعر وتعميق الإحساس مما يكسب الفكرة قوة ونفوذاً بالغين في نفوس القارئين، وأجيب هؤلاء الآخذين المحتملين أو الواقعيين أنه كما يستطيع الشاعر من الشعراء أن يضع في المقطوعة لا تتجاوز أبياتها عدد أصابع اليد الواحدة من إحساسه وروحه ما تخطئه في المطولة من المطولات أو حتى الديوان الكامل من الدواوين المغسولة يستطيع الكاتب من الكتاب أن يشحن المثل القصير بشحنات من الإحساس لا تجدها في ألوف الصفحات المنثورة المائعة ميوعة الماء الباردة برودة الماء كذلك·
 
وقد يقال أيضاً أن فكرة المثل قد تجيء في أكثر الأحوال أبسط تركيباً وأضيق أفقاً من فكرة الرواية الكبيرة أو المتوسطة، فلا يصح والحالة هذه أن يقارن بين إنتاج الروائي ذي الروايات القليلة ذات التفريع والعتميق والتعقيد والبسط والتحليل وروائي الأمثال الموجزة والمركزة· والجواب السريع هنا أن كثيراً من قصص الأمثال أو القصص القصيرة جداً من غير الأمثال قد جعل أساساً ونو،اة لتمثيليات وروايات ضخمة ناجحة كل النجاح، مما يدل على أن فكرة المثل الجيد لا تقل شمولاً ولا عمق أولا صلاحاً لتكون أساساً للرواية الضخمة من الفكرة الروائية تجيء خارج نطاق المثل القصير· وأقرب مثال على ذلك وأدعاه إلى جلب أشد الانتباه رواية تهذيب الشريرة لشكسبير (او مارلو كما يريد ناقد أميركي حديث يصر على أن مارلو هو صاحب كل ما ينسب إلى شكسبير من شعر ونثر)· فأصل هذه التمثيلية أقصوصة قصيرة للروائي الاسباني جوان مانويل الذي عاش بين عامي 1282و 1349· ولست أشك أن روايته هذه ترجع بدورها إلى أصل عربي أندلسي· فأبطالها عنده من عرب الأندلس، وهي مما يرويه العامة في الأردن في مجالسهم الخاصة وسهراتهم المنزلية للتندر في ما بينهم كلما جاء ذكر الزوج القوي يخضع الزوجة السليطة المناكدة المناكفة بألوان من الشدة والعنف لا تقع عليها مباشرة وإنما تقع في مشهد منها على غيرها من الاحياء، ثم كلما جاء ذكر الزوج الضعيف الذي يرى نجاح هذا الاسلوب الطريف في تهذيب الزوجة الشريرة، فيحاول تقليده، ولكن يفشل أخجل الفشل وأزراه لما سبق لعلم زوجته من ضعفه وخنوعه· فالراجح إذاً أن أصل هذه التمثيلية هو أصل عربي من أدب الخاصة ضاعت أصوله فيما ضاع من أصول الأدب العربي، أو هو من أدب العامة انتقل فيما انتقل مع العرب إلى الأندلس، وتداولته الألسن أمداً طويلاً هناك حتى انتهت الاقصوصة إلى الأديب الإسباني المذكور، ومنه انتقلت إلى شكسبير·
 
هذا، وقد أخذت عدداً من مجموعت القصصية المثلية في العربية ومن مجموعتي الأخرى الشعرية المثلية في الانجليزية، وهي في عدد المجموعة العربية أو تزيد عنها قليلاً، وبنيت على حبكتها وفكرتها قصصاً مطولاً أو متوسط الحجم، وأعتقد أن ما أصبته من توفيق هناك فيما ألفت لا يقل عما وفقت فيه، مهما يكن مقداره، فيما اصطنعت له فكرة وحبكة من خارج هاتين المجموعتين· وقد جرى ايري من الكتاب المحدثين على هذا الأسلوب واصطنع رواية قصيرة له أو لغيره من الكتاب، فنجح فيها مثل نجاحه في الفكرة أو الحبكة تستجدان ولا تؤخذان من بعيد أو من قريب·
 
ولمناسبة الحديث عن تهذيب الشريرة ورجوعها في الأرجح إلى أصل عربي في الفصحى أو العامية أود أن أنبه أبناء البلدان العربية مرة أرى، كما نبهتهم منذ عشرين عاماً على صفحات الهلال ونلت على ذلك كالذي نال سنمار إلى أن لعامة أدباً وفناً يجب ألا نترفع عنهما ونزم الشفاه تيهاً وخيلاء كلما سمعنا أقصوصة أو مثلاً أو قصيدة عامية، فقد يكون ينها ما لا تجد له مثيلاً في الطلاوة وصدق التجربة وشمول الخبرة في كتابته الفصحاء ونتاج البلغاء من قدماء ومحدثين· وقد تنبه الغربيون إلى خطر الأدب الشعبي من حيث دلالاته النفسية والاجتماعية والتاريخية على أصحابه، ثم من جهة اتخاذه مادة حية ينسجون منها ويبنون عليها أبنية فنية خالدة، فأسسوا له في جامعاتهم الكراسي الكاملة، ورصدوا له الميزانيات الفخمة للرحلة بين العامة والدراسة والتدوين أو للتدريس والتأليف والتحليل والنشر·

الصفحات