تجتمع الفنون جميعها في فن واحد تنضوي تحت عباءته، وتقدّم نفسها في رسالة واضحة الدلالة؛ الوحدة، والتعاضد، والتعاون. تجتمع مكوّناته الأساس لتكون فنًّا واحدًا يخاطبنا، ويمتّعنا. يضحكنا ويبكينا. ينتقد سلوكاتنا السلبية ويثني على الإيجابية.
أنت هنا
قراءة كتاب أبو الفنون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
وفي الفصل الخامس والأخير من المسرحية ركّز الكاتب أن تشرشل كان "يضرط" أمام الوفد الفلسطيني بطريقة مقززة، ولم يعطهم جملة مفيدة واحدة سوى: "جرّبوا أن تتحدثوا مباشرة إلى الدكتور وايزمن.. وأنا متأكد أن لديه أجوبه شافية" (ص188)، و"إنكم تخطئون بعدم التحدث مع الدكتور وايزمن واقتسام الأرض واقتسام السلطة معه" (ص189)، و:"أنتم لا تفهمون مقاصد الحركة الصهيونية أنها خير على الجميع.. استفيدوا منها.. تعاونوا معها.. ستجلب لكم الماء والكهرباء والصناعة والزراعة وستطور الموانئ" (ص187).
أي أن الكاتب يصل إلى نتيجة مفادها أن الوفد الفلسطيني لم يحصل على شيء من مقابلته مع تشرشل، وزير المستعمرات البريطاني العام 1921، إلا على "الضراط"، وهذه مقولة فلسطينية وعربية، حيث نقول لمن يعود من مهمة خائبًا: "إنه لم يأت إلا بالضراط"، ومعروف ما يصاحب الضراط من إزعاج وروائح كريهة.
وإذا ما تساءلنا عن المكاسب التي حققتها وفودنا المفاوضة، ودائمة الحجيج إلى البيت الأبيض طالبة المساعدة في تحقيق حل سلمي عادل، فإننا سنجد أنها لم تحصل إلا على "الضراط" أيضاً. فمثلما أعاد تشرشل الوفد الفلسطيني الأول للمفاوضات في العام 1921 للتفاهم والاتفاق مع وايزمن، وكان يقدم الدعم المادي والعسكري للهجرات اليهودية لإقامة دولة إسرائيل، فإن الإدارة الأمريكية تعيد وفودنا المفاوضة للتفاهم مع الحكومات الإسرائيلية، والتي تقدم لها الدعم المادي والعسكري لمواصلة الاستيطان، ولتثبيت احتلالها للأراضي العربية المحتلة.
إن هذه المسرحية تنكأ جراحًا، وتلفت الانتباه إلى أمور يجب الاستفادة منها، أنها أقرب ما تكون إلى الكوميديا السوداء، وتمثيلها على خشبة المسرح سيكون له مردودات ايجابية.
موسى أبو دويح:
كتب أحمد رفيق عوض مسرحية "الملك تشرشل"، وهي قصة أول وفد فلسطيني مفاوض للإنجليز في سنة 1922. ولا أدري لماذا أطلق الكاتب على تشرشل، وهو وزير المستعمرات البريطانية، لقب (الملك) تشرشل؛ ألأن (الملك) هو أبرز وأهم شخصية في الدولة؟! أم لأن تشرشل كان أشهر شخصية في بريطانيا، بل في العالم أجمع، زمن الحرب العالمية الأولى، حيث دخل الحرب وخرج منها منتصرًا مع حلفائه من الأمريكان والأوروبيين؟ حيث كانت بريطانيا في عهده تسمى "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس"، وذلك لكثرة مستعمراتها في العالم شرقًا وغربًا.
لقد اختار الفلسطينيون وفدًا مكونًا من عشرة أشخاص بمن فيهم رئيس الوفد موسى كاظم الحسيني، وعضوية كل من الحاج توفيق حماد، وأمين التميمي، وروحي عبد الهادي، ومعين الماضي، وشبلي جمال، وفؤاد مسعد، وجمال الحسيني وإبراهيم شماس، والآنسة فرانس نيوتن ابنة القنصل البريطاني في بيروت.
سافر الوفد إلى لندن لمقابلة تشرشل، إلا أن الأخير لم يأبه بالوفد، ولم يأذن له بالمقابلة، ونقعهم شهورًا في لندن مهملين أذلاء، لا تذكرهم إذاعة، ولا تشير إليهم صحيفة، حتى فكر بعض أعضاء الوفد بالعودة إلى فلسطين بشسع خف حنين؛ لإبلاغ أهل فلسطين بما لاقوه في لندن من إهمال وإذلال.
ولقد ظهرت البساطة والسذاجة على أكثر أعضاء الوفد، وإن كنت لا أبرئ بعضهم من الخيانة والعمالة لبريطانيا. ويكفي هذا الوفد المحترم أن جلسة "الضراط" التي سمح لهم تشرشل بمقابلته فيها، والتي كان فيها أكثر من خمس عشرة ضرطة، خرجت من إست تشرشل لها صوت فظيع ومريع ورائحة قوية نفاثة، هي الجلسة الوحيدة التي حظي فيها الوفد بالجلوس مع تشرشل؛ حتى اضطر رئيس الوفد موسى باشا الحسيني إلى القول لتشرشل: "أصارحك يا سيدي الوزير أننا سمعنا ضراطًا أكثر مما سمعنا من كلام."
محمد موسى سويلم: