كتاب "أفكار بعد منتصف الليل" للكاتبة الإماراتية فاطمة المزروعي، تقول في مقدمته: "بين يديك نصوص.. لم أعدها في أي يوم من الأيام كمقالات رأي... نصوص عن الإنسان وتطور البشرية، ستجد عدة موضوعات مختلفة لكنها تصب في الإنسان ومبادئه، والمفارقات التي عاشها..
أنت هنا
قراءة كتاب أفكار بعد منتصف الليل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
دوافع السؤال
أعود إلى كلمة الفيلسوف كونفوشيوس؛ لأنها قد تكون منطلقا مناسبا لمحاولة الفهم، ألا يُعدُّ السؤال هو أولى مراحل المعرفة؟ ولماذا يسأل الإنسان؟ أليس الدافع هو التعلم الذي يساعده في الحياة ويميزه؟ الإنسان يسأل من أجل حاجة إما أن تكون معيشية، كمن يسأل عن جودة البذور، وكيفية تسميد الأرض من أجل أن تكون أكثر خصوبة، وآخرون يسألون عن أساليب الكسب المادي، بل ويتعلمون الطرق والأساليب لتحقيق هذه الغاية، وفي هذا السياق تتنوع التساؤلات وتبعاً لها تتنوع العلوم التي تحاول الإجابة عنها، هناك من يسأل لحاجة روحيةـ دينيةـ ويريد الاستزادة في هذا المجال، ووسيلته لتحقيق هذه الغاية هي السؤال.
وأيضا نجد المؤلفات والكتب منذ فجر الديانات وحتى يومنا هذا تتناول التوضيح والترغيب والترهيب بالإجابة والتحليل... إلخ. إن أولى خطوات التعلم هي السؤال. ألا نلاحظ كثرة سؤال الأطفال ويصل الحال ببعض الآباء والأمهات للتذمر والضيق من كثرة أسئلة أطفالهم، بل إن البعض منهم يستخدم العنف اللفظي، وقد يصل إلى العنف البدني لإسكات الطفل عن طرح المزيد من التساؤلات التي لا تستثني شيئا أبدا، وقد يغيب عن هذه الأسرة أن أسئلة الطفل تم تصنيفها كنوع من البديهة والنبوغ والموهبة بل وتعتبر مؤشرا لها، ويجب أن يتم تطويرها وتنميتها لا قمعها ولجمها.. السؤال بداية العلم والتفكير.
من هذا المنطلق قد نسمع من يقول: ما الفائدة التي تجعل شخصا عابرا يسأل عن سبب ملوحة ماء البحر؟ ولو أمعنا النظر في هذا الجانب، فإن هذا السؤال في محله تماما، لماذا؟
لأن الماء - كما هو معروف- عنصر الحياة، ولا يمكن للإنسان الاستغناء عنه، وفي ذلك العصر تحديدا كان شحيحا أو كان الحصول عليه فيه مشقة وصعوبة، ونعلم أن الماء كان عنصر جذب لتجمعات بشرية فكم من مدينة لم يكن لها أثر نمت وازدهرت بمجرد ما وجد فيها بئر ماء، وكذلك نعلم رحلات البدو وهم يقطعون الصحارى والفيافي بحثا عن الماء، لذلك توجه ذلك الرجل ليسأل عن شيء هو في الحقيقة في أمس الحاجة له.
إذا صح التعبير فإن سقراط مارس نوعا من القمع ـ قمع التساؤل ـ سواء برد السؤال بسؤال آخر فيه تهكم، أو أنه يحتاج لإجابة يعلم أن الذي أمامه لا يمكنه مجاراته فيها. الغريب أن هناك بعضا من علماء الدين مارسوا أيضا مثل هذه الردود تجاه من يتقدم لطرح تساؤل عليهم، وهناك من ذهب لأبعد من هذا فوضع الفنون والضوابط التي تحدد وتؤطر آداب السؤال وطريقة طرحه وصياغته، ومن هذا المنطلق، ينبع تساؤل إجرائي: إذ كيف لعابر يسأل عما يهمه ويحتاجه، ويكون لديه استعداد في الوقت نفسه لدراسة وتعلّم فنون طرح السؤال وتوقيته وصيغته. ألا يقال صاحب الحاجة أعمى؟
مهما كان السؤال الذي يتبادر في أذهانكم لا تستحقروه، بل اطرحوه بقوة ورغبة لمعرفة الإجابة، ولمن يملك العلم والمعرفة تذكروا أن لا تكونوا مثل سقراط في إجابته تلك!.