كتاب "أفكار بعد منتصف الليل" للكاتبة الإماراتية فاطمة المزروعي، تقول في مقدمته: "بين يديك نصوص.. لم أعدها في أي يوم من الأيام كمقالات رأي... نصوص عن الإنسان وتطور البشرية، ستجد عدة موضوعات مختلفة لكنها تصب في الإنسان ومبادئه، والمفارقات التي عاشها..
أنت هنا
قراءة كتاب أفكار بعد منتصف الليل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
احتياجات
قد نسمع من يقول، هل هذا يعني أن نهمل المخترعات والاتصال بالغرب ونتجاهل التقنية فقط من أجل الحفاظ على الهوية، ومن أجل أن لا نكون مستهلكين مستفيدين من التوهج الحضاري الغربي؟ بطبيعة الحال غير ممكن، ومن يدعو لمثل هذا القول، يعتبر ذا تفكير سطحي تماما، فنحن ماذا نكون دون التقنيات الحديثة وما هو حالنا دون المخترعات التي ساهمت وسهلت حياة الإنسانية بأسرها، في هذا السياق أتذكر كلمة للشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - ، من أحد مؤلفاته القيمة قال فيها: إنه في المجتمعات العربية التي تستورد كل شيء، من الإبرة إلى السيارة إلى الطائرة و من الطعام إلى اللباس، لو قيل للأشياء ارجعي إلى حيث صُنِعْتِ فرجعت لأصبح العرب حفاة عراة لا شيء عندهم.
..وهذا - مع الأسف - حقيقة فكيف هو حالنا دون السيارة الأمريكية وكيف نكون دون الـ"آي باد" والـ"آي فون" والـ"بلاك بيري"، بل هل يمكن أن تتخيل الحياة دون شبكة الإنترنت، وكيف يمكننا أن ننتقل دون الطائرة والقطار؟ كيف هو حال مرضانا في المستشفيات دون الأجهزة الطبية الحديثة التي تمدهم بالأمصال والأدوية بشكل إلكتروني وفي أوقات منتظمة دقيقة؟
بطبيعة الحال فإن المقصود - ببساطة - هو التواصل بل والتحاب ونشر قيم السلام، لكن لكي تكون مقنعا وتجد آراؤك صدى في نفوس وقلوب الآخرين، لابد أن تكون قويا ومقنعا بما تملك من المعرفة. الفقير سيكون مشغولا بالبحث عن طعام يسد به جوعه ومأوىً يستظل فيه، والجاهل سيكون عبئا على نفسه ومجتمعه بجملة من المشاكل والأحداث المؤسفة التي سيوقع نفسه فيها، والضعيف سيكون منشغلا بالبحث عن الأمان والاستقرار، وسيكون تحت ظل قوي آخر، هذه مفردات وأفكار معروفة، لابد أن تكون قويا بالعلم والمعرفة، ولا بد أن تكون غنيا وثريا بالقيم النبيلة والمبهجة لتكون محط أنظار الآخرين فتكون لآرائك صدىً ولكلماتك وقع، فتكون مؤثرا في العالم، هذا على المستوى الشخصي وينطبق الحال بطريقة أو أخرى أيضا على الأمم والشعوب، فالشعب المتسلح بالعلم، الذي تقل فيه الأمية وتنتشر فيه طبقات المتعلمين سيكون قويا وأكثر حركة وديناميكة مع العالم يؤثر ويتأثر بإيجابية وفهم ودراية ومعرفة..
لكن لماذا توجهت في بداية كلماتي نحو الشباب، وحسب؟ لأن الشباب وبطبيعة الحال والفتيات أيضا، هم الشريحة الكبرى في مجتمعاتنا، وهم أيضا أمل المستقبل، والسواعد التي ستواصل البناء والمسيرة، ومن الأهمية إذن أن يكونوا أكثر وعيا بما سيعترض طريقهم، وبما سيحققوه لأوطانهم وأمتهم . ومن هذه الجزئية أتوجه بالدعوة لإيلاء هذه الشريحة المزيد من الاهتمام والرعاية، يجب تفعيل المزيد من البرامج الوطنية التي تستهدفهم والتي يجب أن تأخذ على عاتقها تنمية معرفتهم، أجد أنه من المهم أن يتم تغذية المناهج الدراسية بفصول ومواضيع توعوية تربوية عن دورهم المستقبلي وعما ينتظرهم، يجب أن يدركوا الأخطار التي تتهدد الوطن، وكيف نحافظ على منجزاته ومدخراته. وفي ظني أن العقول من علماء التربية والنفس والاجتماع لن تعجز عن وضع رؤية كاستراتيجية أو خارطة طريق تستهدف الشباب والفتيات، فتأخذ بأيديهم نحو المستقبل المشرق لصالح هذا الوطن المعطاء.
وعلى الجانب الآخر يجب أن ننمي الوعي بأننا أمة وحضارة وتاريخ ومجد لا أحد يجادلنا فيه.. ولكن عوامل الاستعمار الذي تعرضت له بعض الأوطان العربية والغزو الذي حل بدول أخرى عطّل نهوض الحضارة وشكّل جراحاً لم تلتئم حتى اليوم، ولكن هذا التوقف عن الإبداع والإنتاج والتجديد في العلم طال جداً.. ما نحتاج إليه لجعل ماضينا المجيد حاضراً هو التوقف أولا عن تقمص هيئات وأفكار لا تمثلنا ثم يجب أن نكون أقرب لهويتنا أولاً وأكثر فخراً بها ثانيا.. وهذا بلا شك تقع مسؤوليته على شبابنا وفتياتنا، فعليهم أن يمتلكوا روح المبادرة والمسؤولية للنهوض بحضارتنا.. ويجب على المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني مساعدتهم والوقوف معهم، والأخذ بأيديهم نحو المستقبل المشرق، الذي لا تساورني الظنون أنهم سينجحون في بلوغه بتميز وبانتماء أكثر صدق وحميمية لهذا الوطن المعطاء.