أنت هنا

قراءة كتاب مديح لمرايا البلاد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مديح لمرايا البلاد

مديح لمرايا البلاد

كتب الأستاذ الأديب محمود شقير (أبو خالد) الجزء الأوّل من كتابه أو يومياته من سنة 1996م إلى نهاية سنة 1999م الّتي أسماها (مديح لمرايا البلاد).

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 2
الأربعاء 17/4
 
إلى أين في هذا الصباح الربيعي المبكر؟ إلى مقر وزارة الداخلية الإسرائيلية في القدس الشرقية.ولماذا؟ لتجديد وثيقة السفر.
 
ذهبت وانتظرت خمس ساعات حتى تمكّنت من تقديم الأوراق، وعلى الباب الخارجي للمبنى الكائن في شارع نابلس وقفت مع طابور من الرجال والنساء ننتظر الدخول. إنه انتظار مذل ومهين يفرضه علينا المحتلون.
 
تذكّرت أن اليوم هو يوم السجين الفلسطيني. خمسة آلاف أسير وأسيرة في السجون الإسرائيلية. وأنا واقف أمام مبنى الداخلية، طاب لي أن أدخل في لعبة التخيلات: أمّ غاب عنها ابنها أو ابنتها خلف القضبان منذ عشر سنوات، تجلس كل صباح في شرفة البيت وترنو نحو البعيد، نحو السجن الذي يحتجزون ابنها أو ابنتها فيه، وتنتظر. امرأة لم يعد زوجها إلى البيت منذ اعتقلوه قبل خمس عشرة سنة، وهي مرابطة في البيت صابرة تنتظر عودة زوجها إليها. طفل كان عمره ثلاثة أشهر حينما اعتقلوا أباه، وهو الآن شاب في العشرين، وهو لم يظفر بعطف الأب وحنانه مثل بقية أطفال العالم.
 
ولكن، لماذا التخيّلات والحقائق الدامغة ماثلة هناك؟ آلاف الأمهات والزوجات ينتظرن الأحبة القابعين خلف قضبان السجون، ومعهن آلاف الأطفال الذين ينتظرون آباءهم. فلماذا لا نقوم بتنظيم حملة عالمية مستمرة لإطلاق سراحهم؟ لماذا؟
 
غادرت مقرّ الداخلية ووصلت بعد الظهر إلى مقرّ "الطليعة" الكائن في حي الشيخ جراح بالقدس. وجدت الشباب يهيئون لإخلاء المقر، وهو بيت قديم من بيوت القدس التي تتميز بسقوفها العالية وشبابيكها المستطيلة. ولماذا يخلي الشباب المقر؟ لأن "الطليعة" توقّفت عن الصدور بسبب شحّ مواردها المالية.
 
كنت رئيس تحريرها منذ العام 1994. والآن، تشعرني بالحزن لحظات إخلاء المقرّ ومغادرته إلى غير رجعة. تأملت غرف المبنى التي بدت موحشة وهي تخلو من الطاولات والكراسي والخزائن. تأملت مكتبي الغارق في الصمت. من قبل، كان بشير البرغوثي يشغل هذا المكتب، باعتباره رئيس تحرير "الطليعة" الذي أعطى "الطليعة" تميزها لسنوات. هاتفني ذات يوم، وكان مداومًا في مكتبه في مركز السلام الواقع في شعفاط. ذهبت إلى مكتبه، وكانت صحافية شابة تجري معه حوارًا. وبعد خروجها من المكتب اقترح علي أن أتولّى رئاسة تحرير "الطليعة".
 
وافقت على الاقتراح وأصابتني رعشة فرح ممزوجة بشيء من التهيّب، ذلك أن رئاسة تحرير "الطليعة" بعد بشير البرغوثي تضع على عاتقي مسؤوليات جمة، وبذلت كل جهد مستطاع، نجحت في أمور وأخفقت في أمور أخرى، وكانت التجربة درسًا كبيرًا لي في مهنة الصحافة بشكل عام.
 
بعد ساعتين غادرت مقرّ "الطليعة" التي لن تعود إلى الظهور اعتبارًا من الغد، وكانت أسئلة كثيرة تدور في خاطري.

الصفحات