أنت هنا

قراءة كتاب أرم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أرم

أرم

يستهل زعرور روايته كاتباً: «كان يجب أن أكون ميتاً. أنا واثق من ذلك ثقتك بوجود خمسة أصابع في كفك اليسرى. نجوت بالصدفة المحضة، وعشت».

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2
كان ذلك أثناء رحلة التقصّي لحقيقة ما حدث، وما تركه لي صاحبي من أسئلة نصفها يشبه الإجابات.
 
تعاودني في هذا المجال مقولة مارك توين من أنَّ «الوهم يشبه الشيء الحقيقي تقريباً».
 
ومن باب القياس في التشريع، يمكنني أن أقول مطمئنّاً، بأنّ صديقي: متوفّى تقريباً.
 
في زيارته. الأخيرة تلك، بدا مهدّماً مثل جدارٍ قديم غلبه الزمن. كتفاه متهدّلان، وشعر لحيته كالشوك، أحمر، يذكّرك بجذاذات الحصيد.
 
كان زائغ النظرات، تطلّ من عينيه صورة رجلٍ يتهرّأ من الداخل، يحدّق بالأشياء دون أن يراها.
 
تهاوى منهكاً على المقعد (نفس المقعد الذي اعتاد الجلوس عليه كلّما جاء زائراً)، رجع برأسه مُغمض العينين إلى الوراء، ومدّ ساقيه إلى أقصى طولهما، وطلب وهو على حاله تلك، فنجاناً من القهوة. كان من عادتي في كلّ زياراته، أن أسارع في تقديمها دائماً، حدث هذا دائماً طوال سنوات معرفتنا. ولكنّني في هذه المرّة، وجدته لا يطيق الانتظار: «أريد فنجاناً من القهوة» قال باستعجال، وبلهفة من يريد أن يقول: «أسعفني».
 
كلمات عادية، قريبة، ولكنّها محمّلة بدلالات بعيدة. «أريد فنجاناً من القهوة»، قالها بطريقة جعلتني أراه كمهزوم عاد من سفر طويل.
 
ما تزال صورته المقترنة بأمنيته الصغيرة تلك، تلحُّ على ذاكرتي. صورة البحّار العنيد الذي كسره البحر، وعاد مهزوماً. كان من السخف أن أجرح مهابة تلك اللحظة بالسؤال عن أيّ شيء، خصوصاً تلك المتعلّقة بالحال والصحّة، وما إلى ذلك، لما تنطوي عليه مثل هذه الأسئلة من الغثاثة واللامعنى.

الصفحات