يستهل زعرور روايته كاتباً: «كان يجب أن أكون ميتاً. أنا واثق من ذلك ثقتك بوجود خمسة أصابع في كفك اليسرى. نجوت بالصدفة المحضة، وعشت».
أنت هنا
قراءة كتاب أرم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
كان هذا، إذا لم تخنّي الذاكرة، فحوى ما تحدّثنا به. وأتذكر جيداً تلك الابتسامة الغامضة التي كانت ترتسم على وجهه في مثل هذه المناسبة عادة. رأيتها تولد على وجهه، في تلك اللحظة، كعلامة على ما يعانيه من اكتئاب.
في زيارته الأخيرة تلك، بدا مهموماً أكثر من المعتاد وهو يسألني:
-ماذا حدث بشأن الخميرة؟ ألم تبدأ بفحصها بعد؟
فأجبت بنوع من التورية:
-ما يزال عجينها عويصاً.
-لا تجعل جهودي تذهب سدى. لا أريد لموتي أن يكون بلا ثمن. قال بما يشبه الرجاء
كنت ساعتها أتأمّل في هذا الجسد الناحل؛ طويل مثل عود القصب. وتوقفت مطوّلاً عند الوجه المنحوت كلغز. نقرأ في بعض الوجوه سماحة أو لؤماً، طيبةً أو سفالةً. ونقرأ النوايا الخبيثة أو البريئة، نقرأ الكرم والتهور والجشع والشحّ. نقرأ العناد والاستسلام، ونقرأ الألمعية والغباء والتهريج حتّى من وراء أقنعة التهذيب. نقرأ كلّ شيء لأنّ الوجه مفتاح الشخصية.
ولكنّني لم أستطع أن أقرأ في وجهه غير اللغز.. لغز دفين يجعلك تتوه في الاتجاه الذي تذهب فيه المعاني، منحوت كوجه تمثال صدئ. مسبوك من الحديد الزهر.
ترى فيه مهابة في العارضين. وأنفة في استقامة الأنف، ولؤماً في العينين الضيّقتين الغائرتين، ومجوناً ولا مبالاة في الشفتين المزمومتين، وصراحة إلى درجة الاستهتار في بروز الفكّ.