إن الغرب لا يدرك أبداً أن، في عقرب ساعته الصغيرة، حضارة عربية تأسست في عهد بابل، قسم على إثرها النهار إلى اثنتي عشرة ساعة، والساعة إلى ستين دقيقة، والدقيقة إلى ستين ثانية، وأن هذه الساعة لن تدق أجراسها إلا بالتئام الفكر العربي الواحد، وهو يتحرر من تجمده إلى
أنت هنا
قراءة كتاب ع ر ب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
هذه الرسالة
لست أدري، كيف عبرنا كل الأزمنة في زمن واحد، ولماذا تَفَتَّقَت عيوننا على كل الأمكنة في مكان واحد، وكيف اختصرنا كل هذه المسافات حتى نلتقي!
كل ما أدركه، أنها كانت رحلة طويلة شاقة، داهمني الوقت، ولم يتبق المزيد، فقررت أن أتحول إلى علقة، تتطفل على دماء (الحي الميت)·
فتسربت من خلال مسامات ما كتبت، داخل مجرى دم الرجل المطلق، وخرجت من أديم امرأته الولود، التي تحكمها عادات هشة، وتقاليد عمياء، حَجَبَت عنها مداد الرؤية، وسَلَبَت منها فكرها، وأسنَدَت إليها عكازاً دائماً، يرتكز عليه الرجل في حياته، فإن مات هذا الرجل، دفنوا معه عكازه، فلا حياة لها ولا بقاء !
وكثيرا ما ساهمت مثل هذه الرواسب العصبية، في تهيئة الفراغ المناسب، الذي يتحول فيه العقل، إلى عقل مُجَمَّد، تتناسب أجواؤه لغزو فكري غربي، مرن في أساليبه، وبرّاق في خدعه، مستخدمٍ نسيجاً محكماً، وإن كان من خيوط واهية !
فاستطاع أن يصهر الشباب العربي في مجتمعاته، مباغتاً اندهاشه به، ليعود هؤلاء العرب من معاهدهم، ومؤسساتهم، ومجتمعاتهم، مهجنين، يحملون الفكر الغربي، بكل صوره وأشكاله وأنماطه، فتسهل أمام الغرب الوسيلة، بعدما أصبح أبناء اللغة العربية، أداة مطواعة في أيديهم، ويسهل الإيقاع بهم، بعدما باتوا يحملون بنية ثقافية قاصرة، بل بنية ثقافية مُجَمَّدَة·
وما يزال الغرب يحدق في عقرب ساعته، ليبدأ العد التنازلي، الذي لن يبدأه، حتى آخر قطرة دم عربية، تتحول بفعل التجميد إلى تابع، يحاول اللحاق بهم دون الوصول، كأنه يلهث خلف سراب·
إنَّ الغرب لا يدرك أبداً، أنَّ في عقرب ساعته الصغير، حضارة عربية تأسست في عهد بابل، قُسِّم على أثرها النهار إلى إثنتي عشرة ساعة، والساعة إلى ستين دقيقة، والدقيقة إلى ستين ثانية، وأنَّ هذه الساعة لن تدق أجراسها، إلا بالتئام الفكر العربي الواحد، وهو يتحرر من تجمده إلى الأبد، عائداً إلى ثقافته الأصيلة، لاغياً كل الخرائط السياسية والجغرافية، التي صنعها الغرب، لتنسجم مع أطماعه·