في كتاب "والذكريات"، تكتب عادة المذكرات من قبل قواد الجيوش أو أساطين السياسة أو علماء الاقتصاد والمخترعين والمكتشفين وأمثالهم، ليطلع عليها بالمستقبل قواد الجيوش في الحروب ويعلموا أسباب من ظفر قبلهم بالحروب أو من دحر الجيش نتيجة الأعمال المغلوطة، أو ليطلع عل
أنت هنا
قراءة كتاب والذكريات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
التحاقي بمدرسة الرشيدية العسكرية
في أوائل سنة 1906، تقرر إدخالي المدرسة الرشيدية العسكرية، ولم يكن لي رأي ولم أستشر في الانتساب إلى الصنف العسكري، ولم يكن لي أي ميل إلى هذا السلك، وهذا هو طبعي، ولو خيرت حينذاك وإلى يومنا هذا، ما اخترت هذا السلك ولكن التحقت لعدة أسباب، منها أنه في حالة انتقال أخي فاروق كموظف بيطري من بغداد إلى مدينة أخرى لن يبقى لي ملجأ أسكن فيه فيما إذا كنت في مدارس مدنية، وأما إذا كنت في مدارس عسكرية، فبالإمكان إدخالي في القسم الليلي في المدارس العسكرية، ومنها كما يقال أن التدريس والضبط والربط في المدارس العسكرية خير منها من المدارس المدنية، كما أن نفقاتها السنوية أقل بكثير من غيرها، وغيرها من الأسباب، وهكذا شاء القدر أن أنتسب إلى السلك العسكري ابتداءً من دراستي الابتدائية·
وسجلت في الصف التمهيدي في مدرسة الرشيدية العسكرية في أوائل السنة الدراسية للعام 1907 وكانت المدرسة أمام دائرة البريد المركزية التي تشغلها الآن المدرسة الإعدادية المركزية ومن يومها لبست البدلة العسكرية بموجب نظام المدرسة وأنا ما زلت بأوائل السنة الثانية عشرة من عمري، وأصبحت جندياً صغيراً، وكما يقول الخيام في رباعياته:
لبست ثوب العيش لم أُستشر
ومدة الدراسة في هذه المدرسة أربع سنوات، الأولى تمهيدية والثلاث الأخرى ابتدائية، ففي السنة الدراسية التمهيدية، كانت الدروس باللغة التركية طبعاً عبارة عن الخط والقراءة وحفظ بعض السور القرآنية ودروس في الحساب الابتدائي، وقد كنت نشيطاً ومجتهداً جداً، وتقدمت على زملائي في الصف خلال الامتحانات الفصلية وفي الامتحان النهائي، ونجحت إلى الصف الأول الابتدائي وأنا الثاني بين ثمانين تلميذاً·
وقضيت السنة التمهيدية كتلميذ نهاري وأنا أقيم مع أخي فاروق إلا أنه في هذه الأيام نقل الأخ فاروق كما تنبّأنا سابقاً من بغداد إلى قضاء خانقين كمفتش بيطري على حدود إيران، وعليه بقيت وحدي في بغداد·
وبنتيجة التوسط أمكن إدخالي في الصف المخصوص كما كان يسمى، أي في القسم الليلي أو الداخلي، وكانت المدرسة الرشيدية كما بينت سابقاً قرب الميدان أمام دائرة البريد المركزية، وتشغل الآن من قبل الإعدادية المركزية للبنين، فالدراسة نهارية في هذه المدرسة، أما المبيت ليلاً وكان في المدرسة الإعدادية العسكرية والحربية، تلك المدرسة الكائنة على ساحل نهر دجلة في رأس سوق السراي التي تشغلها الآن المحاكم المدنية·
وكنا نحن تلاميذ القسم الداخلي (وبهم من جميع صفوف الرشيدية) نذهب صباحاً برتل عسكري إلى المدرسة الرشيدية، ونعود بعد الدراسة بهذا النظام إلى المدرسة الإعدادية والحربية للقراءة والمبيت، ولا يرخص لنا بالخروج من المدرسة إلا أيام الجمع فقط·
وبعد انتهاء الامتحان النهائي في الصف التمهيدي ونجاحي إلى الصف الأول وبدء العطلة الصيفية، كان الأخ فاروق قد نقل إلى خانقين، وبناءً على ما كان قد تقرر سابقاً، فقد سافرت من بغداد إلى الموصل لقضاء موسم العطلة·