أنت هنا

قراءة كتاب والذكريات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
والذكريات

والذكريات

في كتاب "والذكريات"، تكتب عادة المذكرات من قبل قواد الجيوش أو أساطين السياسة أو علماء الاقتصاد والمخترعين والمكتشفين وأمثالهم، ليطلع عليها بالمستقبل قواد الجيوش في الحروب ويعلموا أسباب من ظفر قبلهم بالحروب أو من دحر الجيش نتيجة الأعمال المغلوطة، أو ليطلع عل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8
وفي عطلة هذه السنة، سافرت إلى خانقين حيث كان الأخ فاروق لا يزال يقيم فيها كمفتش بيطري، وقضيت مدة العطلة الصيفية عنده، وعند انتهائها عدت إلى بغداد وإلى مدرستي الليلية، وبدأت السنة الدراسية الابتدائية الثانية لسنة 1908، وعلى نفس الوتيرة ونفس النظام تراني مثابراً على اجتهادي ودروسي طيلة مدة السنة وأنا متمسك بأولوية الصف، ونادراً ما كنت أخسر بعض العلامات القليلة في دروس الخط والرسم أو الألعاب، وأصبح الثاني لمدة ما بين الفصلين وسرعان ما أسترجع مركزي·
 
وقرب أواخر هذه السنة الدراسية، وفي تاريخ 11 تموز 1908، أعلنت الدولة العثمانية الدستور والحرية وحدث ذلك الانقلاب التاريخي العظيم الذي أدى فيما بعد إلى خلع السلطان عبد الحميد الثاني وإجلاس السلطان محمد رشاد الخامس على عرش السلطنة العثمانية والخلافة الإسلامية، أما ما حدث من أمور في مدارسنا نتيجة هذا الانقلاب، فإن الكلية الحربية التي كانت في بغداد وكذا في الشام أو في إحدى مدن البلقان عندما كانت هذه المدن تابعة للدولة العثمانية حينذاك انتقلت إلى استانبول كما كانت في الأزمنة السابقة، ولم يتخرج في الكلية الحربية في بغداد غير دورة واحدة فقط في سنة 1908·
 
وبعد انتقال الكلية الحربية إلى إستانبول، بقيت المدرسة للصفوف الإعدادية الثلاثة والقسم الداخلي الليلي لطلاب الرشيدية العسكرية الذين أنا منهم، إلا أنه عند انتهاء سنتي الدراسية الثانية ونجاحي إلى الصف الثالث، صدرت الأوامر بإخراج التلاميذ الذين هم في القسم الليلي وليسوا من أولاد الضباط من القسم وجعلهم نهاريين فقط·· وأنا أحدهم بالطبع، وهكذا أصبحت من التلامذة النهاريين في الصف الثالث، فكان عليّ أن أجد لي مسكناً ألتجئ إليه عند بدء السنة الدراسية في الصف الثالث لأعيش فيه، خاصة أن أخي فاروق لم يزل في خانقين·
 
وسافرت إلى الموصل بمناسبة العطلة المدرسية، وكانت هذه سفرتي الثانية إلى الموصل وعلى ظهر البغال، وبمثل تلك السفرة المزعجة والمتعبة في هذا الصيف المحرق ولمدة عشرة أيام·
 
وتمتعت بعطلتي، إلا أنه بعد انتهاء مدتها، ظهرت مشكلة إقامتي في بغداد وقد أصبحت تلميذاً نهارياً وليس لي أحد في بغداد غير بعض الأقارب، ولم يكن من المناسب أن أقيم عندهم لمدة طويلة·· إذن ما العمل؟ وأخيراً صدر القرار تجاه الأمر الواقع بإدخالي مدرسة الإعدادية الملكية أي في مدنية الموصل وفي الصف الثالث أيضاً·
 
وبعد التوسط وبالنظر لتفوقي الدراسي، في هذه المدرسة نزعت عني بدلتي العسكرية، وارتديت اللباس المدني· وبقيت في هذه المدرسة ثلاثة أشهر، وبالنظر لكون أساسي الدراسي قوياً فقد وجدت نفسي متفوقاً جداً على زملائي التلاميذ، وبأني مغبون لإدخالي في هذا الصف، إلا أنه سريعاً ما انحلت المشكلة···· فقد نقل أخي فاروق من خانقين وأعيد إلى بغداد مديرَ بيطرة·
 
وبعد أن أتى إلى الموصل وبقي فيها أياماً قليلة، عدنا مرة أخرى إلى بغداد بالكلك طبعاً وبقيت بداره، ولما كنت قد تغيبت عن مدرستي الرشيدية مدة تقارب ثلث النسة، فقد جابهت صعوبات كثيرة بإقناع إدارة المدرسة بأسباب تخلفي لمعذرتي المشروعة وعدم تمكني من الالتحاق بأول السنة الدراسية، ولولا التوسط والرجاء كان من المحتمل عدم قبولي في هذا الوقت المتأخر نظراً إلى أنظمة المدرسة وأضيع سنة كاملة من حياتي·
 
وعدت إلى مدرستي وحياتي العسكرية، ولما كنت متأخراً عن رفاقي في الصف الثالث، فقد صرفت جهوداً كثيرة جداً وأنا تلميذ نهاري في دار أخي فاروق لتلافي ما فاتني ولإكمال دروس هذا الصف، كي لا أرسب في الامتحان النهائي، وقد وفقني الله وكوفئت على جهودي وأتعابي طيلة مدة الدراسة، ونجحت بدرجة جيد، وهكذا أكملت الثقافة الابتدائية وترفعت إلى الصف الأول الإعدادي العسكري·

الصفحات