كتاب "ثرثرة فوق دجلة؛ حكايات التبشير المسيحي في العراق 1900-1935م"، بعد اجتماعات طويلة ومكثفة في بداية عام 1889م بأحد كنائس مدينة "نيو برونزويك" بولاية نيوجرسي بالولايات المتحدة الأمريكية، صادق مجموعة شبان أمريكان متحمسين على تأسيس منظمة تدعى "الإرسالية الع
أنت هنا
قراءة كتاب ثرثرة فوق دجلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
وانتهت دراسات كانتين وزويمر الميدانية ولقاءاتهما مع مبشري الكنائس الأوروبية الأخرى المنتشرة في بلاد الشام خصوصاً، إلى اختيار مدينة البصرة بجنوب العراق كمركز رئيسي لأعمال الإرسالية في منطقة الخليج والجزيرة العربية وقاعدة لعملياتهم·
فبعد استقرار بسيط في العاصمة بغداد بدا لكانتين كما يقول الباحث الدكتور عبدالله ناصر السبيعي في بحثه حول نشاط الإرسالية الأمريكية، بدا له أن البصرة هي أفضل مكان يمكن أن تنطلق منه الإرسالية نحو تحقيق أهدافها التبشيرية، وذلك لكثافة سكانها وسهولة الوصول إليها، وموقعها الاستراتيجي الذي يميزها عن بقية الأماكن التي زارها خاصة وأنها قد تسهل مهمة النفاذ إلى عمق الجزيرة العربية، ويتجلى ذلك من رسالة بعث بها كانتين إلى مقر الإرسالية يبرر فيها اختياره للبصرة بقوله: يبدو أن هذا المكان (البصرة) هو الأنسب لفتح ثغرة نحو الهدف
وعلاوة على ذلك حصلت الإرسالية ومنذ الأيام الأولى على تعاون الإرساليات المسيحية الأخرى العاملة في العراق مثل المجلس المسيحي للشرق الأوسط وجمعية الكنيسة التبشيرية وغيرها·
ولم يكن اختيار مدينة البصرة ــ حسب رأي المؤرخ الكويتي الدكتور عبدالمالك التميمي في كتابه التبشير في منطقة الخليج العربي ــ قاعدة ومحطة أولى لعملياتهم أمراً اعتباطياً بل أمراً مدروساً، فقد كان موقع هذه المدينة يتمتع بأهمية استراتيجية في المنطقة كلها لأنها تسيطر على الرأس الشمالي للخليج العربي· وكانت الحكومة الأمريكية قد سبق لها أن أنشأت قنصلية هناك واستطاع المبشرون الأمريكيون أن يعيشوا ويعملوا تحت حمايتها· وقد كان في هذا عون كبير لهم خاصة في الوقت الذي كانت فيه تحت سيطرة الدولة العثمانية، وكان صموئيل زويمر وجيمس كانتين أول رائدين للعمل التبشيري في تلك المحطة، ولهذا كانا أول من واجه ردود فعل المواطنين وقياداتهم الدينية بالإضافة إلى السلطات التركية
وقد بدأت نشاطات وفعاليات المبشرين الأمريكان في البصرة بالعمل مـع أوائـل عـام 1 9 8 1م· فـفي تلـك الأيـام نشـط المبشـرون ــ والذين كان يرافقهم في معظم الأحيان موزعو كتب مسيحيون عرب من أهل الشام ــ في توزيع وبيع الكتب والكراريس مثل الإنجيل والكتاب المقدس وغيرها، والدخول كذلك في نقاشات ساخنة مع أهالي البصرة حول المسيحية والإسلام·
غير أن تلك الأيام غير العادية بالنسبة للعراقيين وكذلك للمبشرين الأمريكان لاقت معارضة وعداء شديدين من جانب السلطات التركية التي كانت تحكم العراق· فكانت تفرض على أعضاء الإرسالية شروطاً قاسية للعمل وتصادر في كثير من الأحيان كتبهم وكراريسهم وتضطهد مبشريهم، وأحياناً تعتقلهم وتفقل مكتباتهم، كما كانت السلطات التركية تدخل في مواجهات سياسية متعددة مع الأمريكان عن طريق القنصليات·
وبالمقابل كان تمتع المبشرين بالجنسية الأمريكية مبرر تدخل حكومتهم وقنصلياتها في أغلب الأحيان وضغطها المستمر على الأتراك، مما سهل الكثير من عمل مبشري الإرسالية الأمريكية في البصرة وجنوب العراق عموماً·